سنابل العزة

الأحد، 26 فبراير 2017

أيامي - عودة الشيخ جاد الحق ( الزاهد )

- أيامي – عودة الشيخ جاد الحق ( 5 ) الزاهد
د . محمد أبو زيد الفقى :

  في إحدى زياراتي الأسبوعية لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق :
قال لي : لقد قمت بإنشاء مركز إسلامي في قريتي بطرة شمال مدينة المنصورة طريق المنصورة  دمياط  ، و انفقت عليه كل ما كان معي من مال ، ولكن المركز محتاج إلي بعض التشطيبات ، و الفرش ، فهل تستطيع مساعدتي في هذا الموضوع ؟
 قلت : يا مولانا أساعدك بعمري ، و سوف  أذهب غدا إلي هناك للمعاينة ، وعمل مقايسة  و سوف أعرض الأمر علي الأستاذ محمد رجب ، وهو لا يدخر وسعا في عمل كل ما يرضيك .

ذهبت إلي بطرة مسقط رأس الشيخ ، وعاينت المركز الإسلامي ، فوجدته عملاقا يحاكي خمسة أدوار ، به دار مناسبات ، ومسجد ، ومستوصف ، و ورش لتعليم الحرف للشباب ، وحاولت بالاستعانة  بمهندس كريم – قريب الشيخ – حصر المطلوب للمركز علي وجه السرعة ، و بعد الجمع و الطرح ، اتضح أن المبلغ المطلوب هو مائة و ثمانون ألف جنيه ، و كان هذا المبلغ في ذاك الوقت ينجز أعمالا كثيرة .
     بعد العودة من بطرة أرسلت رسالة للأستاذ محمد رجب للتكرم بصرف  هذا المبلغ  ، و قام الرجل علي الفور بتوقيع الشيك ، و إرساله لي ، وكلمت مكتب الشيخ أسأل عنه حتي  أسلم  له الشيك  ، فقالوا لي : أنه سافر إلي السعودية  لحضور حفل توزيع جائزة الملك فيصل لأنها كانت من نصيب الشيخ هذا العام ، فانتظرت حتى عاد الشيخ ، و ذهبت إليه للتهنئة بهذا التكريم ، وبعد وقت قليل ، و كنا  بمفردنا في المكتب أخرجت الشيك من جيبي  و أعطيته للشيخ .
 فقال لي : رد الشيك إلي صاحبه ، و قدم له نيابة عني خالص الشكر ، و الامتنان ، لقد أغنانا الله ، و أعطاني مالا كثيرا ، و سأنفقه كله علي هذا المركز ، وبالفعل تم    له ما أراد ، و أنفق جل المبلغ علي المركز الإسلامي ببطرة ، و هو يعمل الآن علي أحسن ما يكون ، لقد كان الشيخ من زهاد زمنه ، و لم يكن له نظير في زهده  ،              و طهارته ، ونقاء سريرته ، لقد أنفق ماله ، وجهده طيلة حياته في سبيل الله .
ولما تولي مشيخة الأزهر جعلها تفوح مسكا ، وعطرا  من طهارته ، و إخلاصه .
 بعد أيام من لقائنا طلبني علي الهاتف ، و سمعت صوته على الجانب الأخر ، وقبل أن يأمرني بما يريد  ، قال لي : هل ترى في صوتي شيئا غريبا ؟
 قلت : لا  أسمع شيئا غريبا .
 قال : لا تجاملني .
 قلت : ماذا حدث يا مولانا ؟
 قال : لدي مرض في رأسي في المخ  ، و ربما تكون نهايتي بسببه  ، و لكني فكرت قبل الموت أن أطلب منك بناء معهد في قرية ( كذا .. )  لأن أهلها فقراء ، و يحبون الأزهر حبا عظيما .
قلت : سأفعل ما تأمرني به ، و سوف آتي لزيارتك قبل الموعد المحدد لأقف علي هذا الأمر . و بالفعل ذهبت للشيخ ، و صرح لي بأنه يعاني من مرض خطير بالمخ ، ولا علاج  له .
قلت : يا مولانا ، و كيف تأتي إلي المكتب ، و أنت في هذه الحالة ؟
قال : أريد أن انفق كل لحظة باقية في حياتي في سبيل الأزهر الشريف . و بعد هذا اللقاء بأسبوعين هاتفني الشيخ .
 قال لي : أريد أن أراك سريعا .
قلت : في الغد بإذن الله تعالى ، وفي الغد سألت عنه في المكتب فقالوا لي إنه لم يحضر اليوم ، و أرسلنا إليه الأوراق لتوقيعها في البيت ، و في اليوم التالي علمت أنه جاءته أزمة صحية في الليل ، و نقلوه إلي المشفى ليلا ، و في التاسعة صباحا فارق دنيانا الضيقة إلي ربه سبحانه و تعالى . شعرت بأمرين يتنازعان قلبي          و يعتصرانه .
الأول : أني أدركت أن الشيخ كان يريد رؤيتي في البيت لا في المكتب كما ظننت ،     و قد ضاعت علي َّهذه الفرصة ، و لن ألتقي به  إلا في الدار الآخرة ، و حزنت حزنا عظيما آلم قلبي ، و عقلي .
 الثاني : أنه بموت هذا الرجل قد غابت شمس الأزهر ، و حل علينا ليل بهيم ، و فكر سقيم ، و ظلم عميم ، و آلمني كثيرا أنه لم يُقدَّر كما ينبغي ، ولم يصبح مثلا أعلي في الزهد ، و الطهارة ، و الإدارة ، و لم يفهم الدهماء ، و السوقة ، و السابلة الفرق بين الجواهر ، و الأحجار التي تحيط بها داخل الكنوز الكبيرة .
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق