قبل الغروب
عوامل السقوط
154- أيامي : عودة الشيخ جاد الحق ( 4 ) الاجتهاد و تنقية التراث
في زيارة من زياراتي لفضيلة الشيخ جاد الحق الإمام الأكبر :
قال
لي : إن كتب الدراسة في المعاهد الأزهرية ، تحتاج إلي تجديد ، و تعديل ، و تنقية مما علق بها عبر السنين الطوال .
قلت : يا مولانا كنت أذاكر لابني في كتاب الصف
الأول الإعدادي الأزهري في الفقه الشافعي ، فوجدت أخطاء كثيرة ، منها ما لا يصح أن
ينسب للإمام الشافعي .
قال لي : أرجو أن تسجِّل ما تجده في مذكرة ،
و تعرضها علي .
قلت له : سأفعل بإذن الله تعالي ، و بدأت
بكتابة الأخطاء الموجودة في الكتاب فوجدت
أن فيه ( 360 ) خطأ في ( 95 ) صفحة منها
(60 ) خطأ في نفس المذهب ، و الباقي أخطاء إملائية ، وفي الآيات، و الأحاديث ، بخلاف الأخطاء النحوية ، ، و
الصرفية ، و بعد انتهاء هذا العمل ذهبت للإمام .
و قلت له : هذا ما استطعت أن أصل إليه ،
فأصدر قرار بتشكيل لجنة لإعادة طباعة الكتاب ، و أعطى اللجنة مهلة ثلاثة أشهر .
·
وفي يوم من الأيام ذهبت إليه في موعدي
الأسبوعي ، و دخلت مكتب المدير ، لحاجة لي ،فأعطاني نسخة من الكتاب ، مكتوب عليها
بخط الشيخ : أنها تخصني ، فحاولت الاطلاع علي النسخة قبل الدخول إلي الشيخ ، و
لكني فوجئت أن الكتاب لم يتغير منه شيء علي الاطلاق ، و عندما دخلت عند الشيخ وجدت
مجموعة من المشايخ يتحلِّقون حول مكتبه ، و
بعد أن سلمت عليه ، و عليهم ، و جلست بعيدا عنهم بعض الشيء .
قال
لي : هل قرأت الكتاب الذي تركته لك عند المدير ؟
قلت : يا مولانا قرأته ووجدت أن هؤلاء الناس
خدعوك ، و لم يغيروا شيئا ، و لم يصلحوا شيئا . و أعطيته نسخة من الكتاب القديم و أخرى من
الجديد ، و التقرير ، وظل الإمام الأكبر
يقرأ ، و يقارن لمدة نصف ساعة ، ووجد أن ما ذكرته له حقا .
قال للجنة : لماذا فعلتم ذلك ؟
قالوا يا مولانا : إننا لا نستطيع أن نغير
شيئا من كتب أسيادنا العلماء .
قال : حتى لو كان خطأ .
قالوا : الخطأ عندهم صواب عندنا ، فأشر علي
استمارة المكافأة التي قدموها له ، بالإحالة إلي التحقيق ، و خصم المكافأة ، من
هؤلاء الغشاشين .
ثم قام
فضيلته بتشكيل لجنة جديدة لمراجعة الكتاب
و
قال لي : سأرسل لك نسخة من الطبعة الجديدة ، و عليك قراءتها جيدا ، و تقديم تقرير
آخر عنها .
·
مضت ثلاثة أشهر من هذا التاريخ ، و ذهبت
للشيخ فأخبرني أنه قد تم طبع الكتاب ، و أعطاني نسخة منه ، ووجدت أن بها بعض
التصويبات فطلبت منه مهلة لقراءته ، و بعد أسبوع ذهبت إليه ، و دخلت المكتب فوجدته
جالسا مع د. عبد الفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر وقتها ، فسلمت عليهما ، و جلست
قال الشيخ : هل قرأت النسخة الجديدة ؟
قلت
نعم قرأتها .
قال: وماذا وجدت فيها ؟
قلت : اللجنة الكريمة صححت كل الأخطاء
الإملائية ، و النحوية ،و في الآيات ، و الأحاديث ، و لكنها لم تصحح الأخطاء
الفقهية ، و هي الأهم من وجهت نظري .
قال الدكتور عبد الفتاح الشيخ :- و كان والده
أحد الثلاثة الذين ألفَّوا هذا الكتاب ـــ
أنت يا دكتور تريد أن تستدرك علي علماء كبار من أمثال أبي و زملائه ؟
قلت : أنا لا أستدرك علي العلماء ، ولا أعيب
أحدا منهم أبدا ، و كل ما قمت به ينصبُّ على ما كتب في الكتاب دون النظر إلي
المؤلف أو المؤلفين الذين كتبوه .
قال
الشيخ : يا شيخ محمد استمر في نقد أي كتاب ترى فيه أخطاء ، و قدم لي تقريرا عنه ،
و سوف أعمل علي إصلاحه ، إننا إذا لم نصحح كتبنا ، و ننقيها مما علق بها ، سيأتي
زمن يقوم غيرنا ، و يستدرك علينا ، و يتهمنا بالجهل ، و
التخلف .
و بعد أسبوعين فارقنا إلي ربه قبل أن ينجز ما كان يحلم به من تنقية التراث
، و جعل القرآن حاكما علي السنة ، و الفقه ، و اللغة ، و كل ما يتعلق بالإسلام .
رحم
الله فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمة واسعة ، و
أنزله مقاما محمودا ، فقد كان عالما ورعا ، يحب الأزهر من أعماق قلبه ، و أوقف له
كل دقة في قلبه ، و كل نبضة في عروقه
، و لا أبالغ لو قلت : إنه بغياب هذا العالم الجليل عن الدنيا ، غابت شمس الأزهر ،
و أصبحنا ننتظر شروقها ، حتى تحجرت الدماء في العروق ، و تجمدت الدموع في المآقي ،
و كل يوم نحزن فيه على الشيخ جاد الحق
نحزن فيه على الأزهر ، وما حدث له .
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا . د / محمد أبو زيد الفقي
8 جماد الأولى 1438هــ ، 5 فبراير
2017م
www.sanabelalezaa.com الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeDAboZeeDAlfeQy صفحة الفيس بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق