قبل الغروب
157 - عوامل الفناء : تدمير اللغة
في اللغة – أي لغة – وسيلة التعبير عن المعاني بين أفراد الأمة ، و فيها
مستودع حضارتها ، وتاريخها ، ووسيلة التطور لعلومها ، و منها يأتي التقدم لأفرادها
، لذلك فكل أمة تحافظ علي لغتها ، فإنها في الوقت نفسه تحافظ علي بقائها ، و علي
هويتها بين الأمم .
اللغة العربية :
من
أجلُ أفضل أعمال الأزهر هو الحفاظ علي اللغة العربية منذ عام 411 هـ إلي الآن ، بصرف النظر عن سيطرة الشيعة و
السنة عليه فترات متباينة فكان شيعيا فترة من فترت التاريخ الإسلامي ، ثم تحول علي
يدي القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي إلي تدريس السنة ، و اعتناق مذاهبها ، ومع ذلك بقي إلي الآن حصنا حصينا للغة العربية
، و العلوم المتعلقة بها ، و قد يري البعض ، أن هذه مسألة نظرية بحته ، و لكن عند نهاية هذا المقال سيعلم أن الأزهر
بحفاظه علي اللغة العربية كان يقف علي ثغر كبير من ثغور الإسلام مدافعا ، و منافحا
عن الدين الإسلامي ، و عن و جود الأمتين العربية و الإسلامية ، و الذي ساعد الأزهر
علي ذلك هو وجود القرآن الكريم باللغة العربية ، فكان حب الأزاهرة للغة العربية
يتوازى ، و يتقارب مع حبهم للقرآن الكريم .
و عندما فشلت الحروب الصليبية في القضاء علي
الإسلام كدين ، من خلال القضاء علي أمة الإسلام بدأ ينشط في الغرب نوع من الفكر
يتمحور حول هذا السؤال : لماذا لا نهزم الأمة الإسلامية عن طريق إضعاف
تمسك أفرادها بالدين ، و إضعاف لغتها العربية ؟ و ظل هذا الموضوع هو حلم
أعداء الإسلام حتى الآن ، و لكن في العصر الحديث ، و بعد تطور العلوم ، ووسائل
الاتصال أصبح أعداء الإسلام في غير حاجة إلي إرسال من يضعف الدين ، و يُميت اللغة
العربية لغة القرآن ، و بدأ العمل من عدة جهات نجملها فيما يلي :
1- التدخل في صناعة أفلام السينما
التي تعرض في مصر ، ثم تنتقل إلي العالم العربي بعد ذلك ، و من يقرأ أسماء صناع
السينما في مصر في بداية القرن الماضي ، و حتى عام 1990م يجد أن الكثرة منهم أجانب
، خاصة من يقومون بالصناعة نفسها مثل المخرج ، و المنتج ، و المصور ، و هكذا ، و
في هذه المرحلة تم استبدال تحية الإسلام المباركة التي تملأ البيوت خيرا و
بركة بمجرد نطقها ، تم استبدالها بتحايا
انجليزية ، و فرنسية و الجميع يعرف ذلك .
2- بعد فترة من هذا التاريخ ، و مع سيطرة أمريكا
علي العالم ، بدأت التحايا تكون أمريكية فبدلا من قول الرجل لزوجته عندما يدخل إلي
بيته : السلام عليكم ، بدأ في السينما ، و المسلسلات يقول لها : هاي ، و عندما
يغادر المنزل يقول لها : باي ، و بدأت كلمات كثيرة تتسرب بين العامة ، و المثقفين
بدافع الدونية ، و الدونية لمن لا يعرف عقدة نفسية تصيب الشعوب المغلوبة ، و تجعلها تقلد الغالب في كل شيء ، و
أول من أشار إلي هذه العقدة هو العلامة ابن خلدون حين قال في مقدمته المعروفة : [
أعلم أن المغلوب يقلد الغالب في ملته و نحلته ، و لغته ، و طعامه و شرابه ، و
ملبسه ، و كل ما ينقل إليه من قبل غالبه ] ، و هذه العقدة تطيح الآن برؤوس العرب في
كل مكان ، و لعل خروج وزير التعليم السابق و اللاحق علينا في مصر بحل مشكلة الثانوية العامة ، عن طريق
امتحان الطلاب بنظام " البوكليت " و انتشرت الكلمة بين الناس ولاكها الإعلام ليل نهار حتى أصبحت مقررة في
وجدان المصريين جميعا ، و كان الوزير لا يستحي من عقد مؤتمرا صحافيا للحديث
عن " البوكليت " ، و
الغريب أن الصحفيين لم يسأل واحد منهم عن معنى كلمة " البوكليت " ، و انسحبت الدونية علي الجميع ، و عاشوا في
كهف " البوكليت " ، و
كان الوزير لضعف عقله ، و ضحالة ثقافته سعيدا جدا بهذا الاكتشاف الخطير ، و الكلمة
في لغتها الانجليزية معناها كراسة الامتحانات ، فما الذي جعلها "
بوكليت" غير الدونية ، و ضحالة الفكر ، و نقصان العقل ، و الفضيحة الكبرى أن ذلك يصدر عن وزارة التعليم
في أكبر دولة عربية ، فماذا يفعل العرب
الأخرون ؟
3- في مواقع التواصل الاجتماعي ، و بتحريض من أعداء
الإسلام ، بدأت تظهر لغة ، و تنتشر بين الشباب ، و هي لغة [ الفرانكوآراب ] ، و هي
عبارة عن كتابة اللغة العربية بحروف لاتينية ، و هذا مِعْول هدم شديد ، و لكن
الشباب يفعلونه بدافع النقص ، و العجز ، و الدونية .
4- في معظم الدول العربية تجد
المحلات كلها بأسماء انجليزية و المنتجات كذلك ، و في بعض الدول باع التجار لحوم
الكلاب ، و القطط ، والحمير ، و تذوقها الناس ، و كانت لذيذة جدا ، لأن اسم المنتج
باللغة الانجليزية ، و قد حاولت في أحد ميادين القاهرة أن أعثر علي محل واحد اسمه
بالعربي ، فلم أستطع ، حتى المكتوب بالعربي هو تعريف لاسم انجليزي .
5- في مصر ، و الدول العربية مدارس ، و معاهد ، و
جامعات أجنبية ، تعلم العلم مقابل مبالغ كبيرة ، و الناس يرسلون أبناءهم إليها
بعدة دوافع منها أن التعليم فيها أفضل ، و منها أيضا التعالي علي أبناء الوطن
الآخرين الذين لا يملكون المبالغ التي
يرسلون بها أبناءهم إلي هذه المؤسسات الأجنبية ، و قد انتشر نظام التعليم الأجنبي
في العالم العربي بسبب التخلف ، و عقدة الدونية ، و يجب أن يعرف الجميع أن اللغة
الأجنبية تقف عند حد الدلالة ، و لا يمكن
لها حمل المعاني التي تتمتع بها اللغة الأصلية ، و هذا قانون يشمل لغات العالم
أجمع ، و لذلك فكل بلد من البلاد المتقدمة تدرس علومها بلغتها ، و تنقل العلوم الأخرى إليها عن طريق الترجمة ،
و قد حاولت الجمهورية العربية السورية تدريس العلوم باللغة العربية مثل الطب و
الهندسة ، و نجحت نجاحا كبيرا في هذا المجال ، و لعل ذلك كان سببا من أسباب تدمير
سوريا بجانب الحفاظ علي بقاء إسرائيل ، و
توسعها في باقي الدول العربية . إن لغة أي شعب
تحتفظ بأسرار علومه ، و هويته ، و ماهيته ، و كل خطوة نبتعد فيها عن لغتنا فإننا
بنفس المسافة نقترب من الفناء .
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا . د . محمد أبو زيد الفقي
24رجب 1438هـ ، 20 أبريل 2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق