سنابل العزة

الخميس، 20 أبريل 2017

عوامل الفناء : تدمير اللغة

قبل الغروب


157 - عوامل الفناء : تدمير اللغة
       في اللغة – أي لغة – وسيلة التعبير عن المعاني بين أفراد الأمة ، و فيها مستودع حضارتها ، وتاريخها ، ووسيلة التطور لعلومها ، و منها يأتي التقدم لأفرادها ، لذلك فكل أمة تحافظ علي لغتها ، فإنها في الوقت نفسه تحافظ علي بقائها ، و علي هويتها بين الأمم .




اللغة العربية :
  من أجلُ أفضل أعمال الأزهر هو الحفاظ علي اللغة العربية منذ عام  411 هـ إلي الآن ، بصرف النظر عن سيطرة الشيعة و السنة عليه فترات متباينة فكان شيعيا فترة من فترت التاريخ الإسلامي ، ثم تحول علي يدي القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي إلي تدريس السنة ، و اعتناق مذاهبها  ، ومع ذلك بقي إلي الآن حصنا حصينا للغة العربية ، و العلوم المتعلقة بها ، و قد يري البعض ، أن هذه مسألة نظرية بحته ،     و لكن عند نهاية هذا المقال سيعلم أن الأزهر بحفاظه علي اللغة العربية كان يقف علي ثغر كبير من ثغور الإسلام مدافعا ، و منافحا عن الدين الإسلامي ، و عن و جود الأمتين العربية و الإسلامية ، و الذي ساعد الأزهر علي ذلك هو وجود القرآن الكريم باللغة العربية ، فكان حب الأزاهرة للغة العربية يتوازى ، و يتقارب مع حبهم للقرآن الكريم .
و عندما فشلت الحروب الصليبية في القضاء علي الإسلام كدين ، من خلال القضاء علي أمة الإسلام بدأ ينشط في الغرب نوع من الفكر يتمحور حول هذا السؤال : لماذا لا نهزم الأمة الإسلامية عن طريق  إضعاف  تمسك أفرادها بالدين ، و إضعاف لغتها العربية ؟ و ظل هذا الموضوع هو حلم أعداء الإسلام حتى الآن ، و لكن في العصر الحديث ، و بعد تطور العلوم ، ووسائل الاتصال أصبح أعداء الإسلام في غير حاجة إلي إرسال من يضعف الدين ، و يُميت اللغة العربية لغة القرآن ، و بدأ العمل من عدة جهات نجملها فيما يلي :
1-   التدخل في صناعة أفلام السينما التي تعرض في مصر ، ثم تنتقل إلي العالم العربي بعد ذلك ، و من يقرأ أسماء صناع السينما في مصر في بداية القرن الماضي ، و حتى عام 1990م يجد أن الكثرة منهم أجانب ، خاصة من يقومون بالصناعة نفسها مثل المخرج ، و المنتج ، و المصور ، و هكذا ، و في هذه المرحلة تم استبدال تحية الإسلام المباركة التي تملأ البيوت خيرا و بركة  بمجرد نطقها ، تم استبدالها بتحايا انجليزية ، و فرنسية و الجميع يعرف ذلك .
2-   بعد فترة من هذا التاريخ ، و مع سيطرة أمريكا علي العالم ، بدأت التحايا تكون أمريكية فبدلا من قول الرجل لزوجته عندما يدخل إلي بيته : السلام عليكم ، بدأ في السينما ، و المسلسلات يقول لها : هاي ، و عندما يغادر المنزل يقول لها : باي ، و بدأت كلمات كثيرة تتسرب بين العامة ، و المثقفين بدافع الدونية ، و الدونية لمن لا يعرف عقدة نفسية تصيب الشعوب  المغلوبة ، و تجعلها تقلد الغالب في كل شيء ، و أول من أشار إلي هذه العقدة هو العلامة ابن خلدون حين قال في مقدمته المعروفة : [ أعلم أن المغلوب يقلد الغالب في ملته و نحلته ، و لغته ، و طعامه و شرابه ، و ملبسه ، و كل ما ينقل إليه من قبل غالبه ] ، و هذه العقدة تطيح الآن برؤوس العرب في كل مكان ، و لعل خروج وزير التعليم السابق و اللاحق علينا  في مصر بحل مشكلة الثانوية العامة ، عن طريق امتحان الطلاب بنظام " البوكليت " و انتشرت الكلمة بين الناس  ولاكها الإعلام ليل نهار حتى أصبحت مقررة في وجدان المصريين جميعا ، و كان الوزير لا يستحي من عقد مؤتمرا صحافيا للحديث عن            " البوكليت " ، و الغريب أن الصحفيين لم يسأل واحد منهم عن معنى كلمة    " البوكليت "  ، و انسحبت الدونية علي الجميع ، و عاشوا في كهف            " البوكليت " ، و كان الوزير لضعف عقله ، و ضحالة ثقافته سعيدا جدا بهذا الاكتشاف الخطير ، و الكلمة في لغتها الانجليزية معناها كراسة الامتحانات ، فما الذي جعلها " بوكليت" غير الدونية ، و ضحالة الفكر ، و نقصان العقل ،  و الفضيحة الكبرى أن ذلك يصدر عن وزارة التعليم في أكبر دولة عربية ،  فماذا يفعل العرب الأخرون ؟
3-   في مواقع التواصل الاجتماعي ، و بتحريض من أعداء الإسلام ، بدأت تظهر لغة ، و تنتشر بين الشباب ، و هي لغة [ الفرانكوآراب ] ، و هي عبارة عن كتابة اللغة العربية بحروف لاتينية ، و هذا مِعْول هدم شديد ، و لكن الشباب يفعلونه بدافع النقص ، و العجز ، و الدونية .
4-   في معظم الدول العربية تجد المحلات كلها بأسماء انجليزية و المنتجات كذلك ، و في بعض الدول باع التجار لحوم الكلاب ، و القطط ، والحمير ، و تذوقها الناس ، و كانت لذيذة جدا ، لأن اسم المنتج باللغة الانجليزية ، و قد حاولت في أحد ميادين القاهرة أن أعثر علي محل واحد اسمه بالعربي ، فلم أستطع ، حتى المكتوب بالعربي هو تعريف لاسم انجليزي .
5-    في مصر ، و الدول العربية مدارس ، و معاهد ، و جامعات أجنبية ، تعلم العلم مقابل مبالغ كبيرة ، و الناس يرسلون أبناءهم إليها بعدة دوافع منها أن التعليم فيها أفضل ، و منها أيضا التعالي علي أبناء الوطن الآخرين الذين      لا يملكون المبالغ التي يرسلون بها أبناءهم إلي هذه المؤسسات الأجنبية ، و قد انتشر نظام التعليم الأجنبي في العالم العربي بسبب التخلف ، و عقدة الدونية ، و يجب أن يعرف الجميع أن اللغة الأجنبية تقف عند حد الدلالة ،  و لا يمكن لها حمل المعاني التي تتمتع بها اللغة الأصلية ، و هذا قانون يشمل لغات العالم أجمع ، و لذلك فكل بلد من البلاد المتقدمة تدرس علومها بلغتها ،   و تنقل العلوم الأخرى إليها عن طريق الترجمة ، و قد حاولت الجمهورية العربية السورية تدريس العلوم باللغة العربية مثل الطب و الهندسة ، و نجحت نجاحا كبيرا في هذا المجال ، و لعل ذلك كان سببا من أسباب تدمير سوريا  بجانب الحفاظ علي بقاء إسرائيل ، و توسعها  في باقي الدول العربية .                                 إن لغة أي شعب تحتفظ بأسرار علومه ، و هويته ، و ماهيته ، و كل خطوة نبتعد فيها عن لغتنا فإننا بنفس المسافة نقترب من الفناء .
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا . د . محمد أبو زيد الفقي
24رجب 1438هـ ، 20 أبريل 2017م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق