قبل الغروب
عوامل السقوط
151- أيامي : عودة الشيخ جاد الحق ( 1 )
في مكتبي في كلية أصول الدين بطنطا ،جاءني وفد من قرية بلقاس خامس ( دير
القديسة جميانة ) مركز بلقاس ، محافظة الدقهلية ، هذه القرية تبعد أربعين كيلو متر
عن مدينة المنصورة شمالا ، وتقع علي طريق مدينة جمصة علي البحر الأبيض المتوسط ، و
بها كنيسة دير القديسة جميانة ، و أهلها خليط من المسلمين و المسيحيين ، و لكنهم في سلام ووئام ، و كل منهما يعرف ماله و ما عليه .
جاء وفد القرية ، و عرض عليَّ القيام ببناء
معهد إعدادي ثانوي للبنين ، ضمن مشروع المعاهد التي يمولها ، و ينفق عليها رجل
الأعمال السكندري الأستاذ / محمد رجب ، و أقوم أنا بالإشراف علي التنفيذ ، و علي كل ما يتعلق بهذه المعاهد
، حتى يتم افتتاحها ، و تشغيلها .
انصرف الوفد من عندي ، و بعد أيام حصلت علي
الموافقة ، بعد زيارة القرية و دراسة كل الظروف الخاصة بهذا الموضوع .
بدأنا في بناء المعهد الإعدادي الثانوي للبنين ، و في يوم من الأيام ، و
أنا أجلس مع رئيس الوحدة المحلية للقرية قال لي : إننا لسنا في حاجة إلي مزرعة
الدواجن المجاورة لمعهد البنين ، فلماذا لا تأخذها و تطورها و تجعلها معهدا
للفتيات .
راقت لى الفكرة قلت : ولماذا ؟ و بعدها بأيام
كنا نعمل في تأهيل المزرعة التي أصبحت بعد ذلك معهدا إعدادي ثانوي للفتيات ، إذن
بعد عام سيكون لدينا أربعة معاهد في قرية كانت محرومة من المعاهد ، ولا يوجد بها
إلا المعهد الابتدائي .
بعد انتهاء العمل قمنا بعمل الافتتاح ، و دعونا فضيلة الإمام الأكبر شيخ
الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، بالإضافة إلي الأستاذ محمد رجب و أصدقائه من
رجال الأعمال ، و من الجانب المسيحي دعونا ، الأنبا أبشوي و معه مجموعة من القساوسة ، و ذهبنا إلي القرية في
يوم الاحتفال ، ونزلنا على الطريق العام – المنصورة – جمصه – و صمم أهل القرية أن
يركب الأستاذ / محمد رجب عربة مكشوفة تجرها الخيل ، وركبت بجواره ، و رأيت فرحة في
عيون الناس لم أر مثلها في حياتي ، بالإضافة إلي الإنشاد الديني ، و الهتافات ، و
مكبرات الصوت التي تذيع أغنية مصر تتحدث عن نفسها ، و عندما اخترق الموكب الشارع
الذي يتوسط القرية كنا نسمع الزغاريد من النساء المسلمات و المسيحيات علي السواء ، و كنا نرى الفرحة في عيون الجميع
.
عندما
بدأ الحفل بآيات القرآن الكريم ، حضر الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق ، و كنت أراه
عن قرب لأول مرة ، رجل تسبقه مهابة حقيقية ، و نوره يسعي بين يديه ، بدأ الحفل
بكلمة من رئيس الوحدة المحلية بالقرية ، ثم كلمة رئيس مجلس مدينة بلقاس ، ثم كلمة السيد المحافظ ، و كان رجلا محترما ، ثم كلمة الأنبا أبشوي ،
و قد اختار كلماته بذكاء وعناية ، ثم تحدث الشيخ جاد الحق حديثا جميلا انتظره
الجميع ثم قام الضيوف بقص الشريط و تفقد
البناء في المعهدين خاصة معهد البنين و
أعرب الشيخ جاد الحق عن فرحته أكثر من مرة ، و أدركت ساعتها أن هذا الرجل يذوب حبا
في الإسلام ، و في الأزهر ، ثم قام الجميع بزيارة الدير و جلسوا في الدور الثاني [
مكون من سبعة أدوار ] , و ذهبت أنا مع
جماعة من الضيوف طلبوا مشاهدة الكنيسة الأثرية في هذه القرية ، ثم انضممنا بعد ذلك
إلي الضيوف الموجودين في الطابق الثاني في الدير ، قام المسئولون عن الدير
بالترحيب بنا و بالإمام الأكبر بطريقة فاخرة ، و حضر جمع من الفتيات الراهبات ،
لتوزيع الحلوى و المشروبات و تبادلت
الحديث مع أصدقائي من القساوسة ، الذين كونت معهم صداقة أثناء العمل ، و كانوا
يساعدوننا ، و لم يقفوا في وجهنا ، أو يعرقلون العمل لنا في يوم من الأيام
، و كان هذا اليوم يوما عظيما في حب الوطن .
بعد انتهاء العمل في الدير ذهب الضيوف برفقة المحافظ لتناول الغداء في فندق
مارشال علي النيل في مدينة المنصورة ، و بعد انتهاء الغداء جاءت لحظة الوداع , و
جاء الأستاذ محمد رجب ، و أصدقاؤه للسلام
علي فضيلة الإمام الشيخ جاد الحق ووداعه ،
و لكنه قبل أن ينصرف قبَّل الأستاذ محمد رجب وشكره ، و قال له : الأزهر في حاجة
ماسة إلي رجال من أمثالك ، فقال له الأستاذ محمد رجب : أنا و ما أملك تحت أمرك ، و
لكن لي شرط أن يقوم الدكتور محمد أبو زيد الفقي بالإشراف على العمل و التنفيذ ،
فضمني الشيخ إليه و قبل رأسي ، وقال له : محمد أبو زيد الفقى ابني و لن يخالف لي
أمرا .
فقلت أمام الجميع : هذا يشرفني و يُّعلي من قدري ، فأخذني الشيخ بعيدا عنهم
،
و قال لي : متى تنزل القاهرة ؟
قلت : عندما يكون لي عمل فيها .
فقال
لي : أنا أريد أن تخصص يوما لي كل أسبوع تجلس في مكتبي ، و أقضي لك كل شيء في
إدارة الأزهر .
قلت : و إن لم يكن لي شيء ؟
قال : تأتي و تجلس أمامي يا شيخ محمد أنا
أحببتك عندما رأيت عملك و إخلاصك للإسلام
و للأزهر ، ووجودك في مكتبي يريحني .
هذا
الحب الهائل من الشيخ جاد الحق لي بسبب المعاهد و بنائها ، انقلب إلي كره لي ،
ومعاكسة ، و مشاكسة بعد أن وُسِّدَ الأمر إلي غير أهله . و أصبح المغمور مشهور ، و
المخلص مقهور .
و
إلي اللقاء في يوم أخر من أيام الإمام الأخير الشيخ جاد الحق علي جاد الحق .
" مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
" الآية 23 سورة الأحزاب
ا . د / محمد أبو زيد الفقي
11ربيع الأول
1438هــ ، 10 ديسمبر 2016م
www.sanabelalezaa.com الموقع
الالكتروني
Dr. MoHaMMeDAboZeeDAlfeQy صفحة الفيس
بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق