سنابل العزة

الأحد، 11 ديسمبر 2016

أيامي : عودة الشيخ جاد الحق




قبل الغروب
عوامل السقوط

151- أيامي : عودة الشيخ جاد الحق ( 1 )
 
     في مكتبي في كلية أصول الدين بطنطا ،جاءني وفد من قرية بلقاس خامس ( دير القديسة جميانة ) مركز بلقاس ، محافظة الدقهلية ، هذه القرية تبعد أربعين كيلو متر عن مدينة المنصورة شمالا ، وتقع علي طريق مدينة جمصة علي البحر الأبيض المتوسط ، و بها كنيسة دير القديسة جميانة ، و أهلها خليط من المسلمين   و المسيحيين ، و لكنهم في سلام ووئام ،      و كل منهما يعرف ماله و ما عليه .
جاء وفد القرية ، و عرض عليَّ القيام ببناء معهد إعدادي ثانوي للبنين ، ضمن مشروع المعاهد التي يمولها ، و ينفق عليها رجل الأعمال السكندري الأستاذ / محمد رجب ، و أقوم أنا بالإشراف  علي التنفيذ ، و علي كل ما يتعلق بهذه المعاهد ، حتى يتم افتتاحها ، و تشغيلها .
انصرف الوفد من عندي ، و بعد أيام حصلت علي الموافقة ، بعد زيارة القرية و دراسة كل الظروف الخاصة بهذا الموضوع .
   بدأنا في بناء المعهد الإعدادي الثانوي للبنين ، و في يوم من الأيام ، و أنا أجلس مع رئيس الوحدة المحلية للقرية قال لي : إننا لسنا في حاجة إلي مزرعة الدواجن المجاورة لمعهد البنين ، فلماذا لا تأخذها و تطورها و تجعلها معهدا للفتيات .
راقت لى الفكرة قلت : ولماذا ؟ و بعدها بأيام كنا نعمل في تأهيل المزرعة التي أصبحت بعد ذلك معهدا إعدادي ثانوي للفتيات ، إذن بعد عام سيكون لدينا أربعة معاهد في قرية كانت محرومة من المعاهد ، ولا يوجد بها إلا المعهد الابتدائي .
   بعد انتهاء العمل قمنا بعمل الافتتاح ، و دعونا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، بالإضافة إلي الأستاذ محمد رجب و أصدقائه من رجال الأعمال ، و من الجانب المسيحي دعونا ، الأنبا أبشوي  و معه مجموعة من القساوسة ، و ذهبنا إلي القرية في يوم الاحتفال ، ونزلنا على الطريق العام – المنصورة – جمصه – و صمم أهل القرية أن يركب الأستاذ / محمد رجب عربة مكشوفة تجرها الخيل ، وركبت بجواره ، و رأيت فرحة في عيون الناس لم أر مثلها في حياتي ، بالإضافة إلي الإنشاد الديني ، و الهتافات ، و مكبرات الصوت التي تذيع أغنية مصر تتحدث عن نفسها ، و عندما اخترق الموكب الشارع الذي يتوسط القرية كنا نسمع الزغاريد من النساء المسلمات و المسيحيات  علي السواء ، و كنا نرى الفرحة في عيون الجميع .
 عندما بدأ الحفل بآيات القرآن الكريم ، حضر الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق ، و كنت أراه عن قرب لأول مرة ، رجل تسبقه مهابة حقيقية ، و نوره يسعي بين يديه ، بدأ الحفل بكلمة من رئيس الوحدة المحلية بالقرية ، ثم كلمة رئيس مجلس مدينة  بلقاس ، ثم كلمة السيد المحافظ  ، و كان رجلا محترما ، ثم كلمة الأنبا أبشوي ، و قد اختار كلماته بذكاء وعناية ، ثم تحدث الشيخ جاد الحق حديثا جميلا انتظره الجميع  ثم قام الضيوف بقص الشريط و تفقد البناء في المعهدين خاصة معهد البنين  و أعرب الشيخ جاد الحق عن فرحته أكثر من مرة ، و أدركت ساعتها أن هذا الرجل يذوب حبا في الإسلام ، و في الأزهر ، ثم قام الجميع بزيارة الدير و جلسوا في الدور الثاني [ مكون من سبعة أدوار ] ,  و ذهبت أنا مع جماعة من الضيوف طلبوا مشاهدة الكنيسة الأثرية في هذه القرية ، ثم انضممنا بعد ذلك إلي الضيوف الموجودين في الطابق الثاني في الدير ، قام المسئولون عن الدير بالترحيب بنا و بالإمام الأكبر بطريقة فاخرة ، و حضر جمع من الفتيات الراهبات ، لتوزيع الحلوى و المشروبات  و تبادلت الحديث مع أصدقائي من القساوسة ، الذين كونت معهم صداقة أثناء العمل ، و كانوا يساعدوننا ، و لم يقفوا في وجهنا ،           أو يعرقلون العمل لنا في يوم من الأيام ، و كان هذا اليوم يوما عظيما في حب الوطن  .
    بعد انتهاء العمل في الدير ذهب الضيوف برفقة المحافظ لتناول الغداء في فندق مارشال علي النيل في مدينة المنصورة ، و بعد انتهاء الغداء جاءت لحظة الوداع , و جاء الأستاذ محمد رجب ،  و أصدقاؤه للسلام علي فضيلة الإمام الشيخ جاد الحق ووداعه  ، و لكنه قبل أن ينصرف قبَّل الأستاذ محمد رجب وشكره ، و قال له : الأزهر في حاجة ماسة إلي رجال من أمثالك ، فقال له الأستاذ محمد رجب : أنا و ما أملك تحت أمرك ، و لكن لي شرط أن يقوم الدكتور محمد أبو زيد الفقي بالإشراف على العمل و التنفيذ ، فضمني الشيخ إليه و قبل رأسي ، وقال له : محمد أبو زيد الفقى ابني و لن يخالف لي أمرا .
فقلت أمام الجميع : هذا يشرفني     و يُّعلي من قدري ، فأخذني الشيخ بعيدا عنهم ،
و قال لي : متى تنزل القاهرة ؟
قلت : عندما يكون لي عمل فيها .
 فقال لي : أنا أريد أن تخصص يوما لي كل أسبوع تجلس في مكتبي ، و أقضي لك كل شيء في إدارة الأزهر .
قلت : و إن لم يكن لي شيء ؟
قال : تأتي و تجلس أمامي يا شيخ محمد أنا أحببتك عندما رأيت عملك و إخلاصك للإسلام        و للأزهر ، ووجودك في مكتبي يريحني .
 هذا الحب الهائل من الشيخ جاد الحق لي بسبب المعاهد و بنائها ، انقلب إلي كره لي ، ومعاكسة ، و مشاكسة بعد أن وُسِّدَ الأمر إلي غير أهله . و أصبح المغمور مشهور ، و المخلص مقهور .
 و إلي اللقاء في يوم أخر من أيام الإمام الأخير الشيخ جاد الحق علي جاد الحق .
 " مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم     مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا "   الآية 23 سورة الأحزاب

ا . د / محمد أبو زيد الفقي
11ربيع الأول  1438هــ ، 10 ديسمبر  2016م
www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeDAboZeeDAlfeQy   صفحة الفيس بوك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق