سنابل العزة

السبت، 20 فبراير 2016

زهرة والعوِيِل إخراج اللله من معادلة الحياة

قبل الغروب
عوامل السقوط

   نقصد بعوامل السقوط . الأسباب التي أدت إلى سقوط العالم العربي في الوقت الحالي، وفنائه بعد ذلك ، ونحاول من خلال تسليط الضوء على هذه العوامل ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أو تأخير وقوع الفناء العربي .أو عودة العالم العربي إلى الحياة ،والتأثير فيها من جديد .
                                                                                                الكارثة الكبرى
                                                                                            في إخراج الله
  من معادلة الحياة (5)
129- زهرة والعوِيِل:


      في إحدى القرى المصرية كان يعيش عبد السلام ، يعمل أجيرا عند أغنياء القرية ، تزوج من حميدة ، و أنجب منها ثلاثة أبناء ( ولدين ، وبنت ) ، ذات مساء انقلب الجرار الزراعي ، الذي كان يركبه عبد السلام بجوار السائق ، ومات السائق ومات عبد السلام تحت الجرَّار ، ترك عبد السلام حميدة زوجته وأحمد وعلي وزهرة ، ولم يترك لهم من حطام الدنيا إلا الحطام ، بعد العزاء  وانتهاء الأحزان ، أو تواريها ، خلف أشجار الألم ، والأمل ، قررت حميدة أن تُعلَّم أبناءها الثلاث ، و أن تعمل كخادمة في البيوت ، وعاملة في المزارع ، من أجل تعليم أبناءها  ، انتظم أحمد وعلي  في الدراسة حتى حصل على دبلوم الصنايع ، ووصلت زهرة إلي الصف  الثاني الثانوي ، لتحقق في التعليم  أمال أمها و أبيها ، ومرضت حميدة ، وبالكشف عليها ،حدد الأطباء مرضها بأنها تعاني من فشل في الكليتين ، و لابد لها من عمل غسيل كُلوي ثلاث مرات في الأسبوع ، لم يجد أحمد وعلي أمامهما لعلاج أمهما ، والإنفاق علي أختهما سوى العمل في المزارع الموجودة بالقرية ، لأن الوظيفة في مصر المحروسة ، لا يصل إليها الفقراء بالطريق المباشر ، مثل جميع بلاد الدنيا ، بل بطرق شيطانية ، كانت حميدة تذهب للغسيل الكلوي يوما ، وتستريح يوما ، وفي يوم الراحة كانت تشاهد  البرامج الدينية  في التلفزيون ، وأحيانا كانت تشاركها زهرة في هذه المشاهدة ، وعن طريق المشاهدة انبهرت حميدة و ابنتها ، بالدكتور هجرس العويل ، وتحول الانبهار إلي إعجاب ، والإعجاب إلي حب ، ولكنه حب طاهر ، غايته احترام العلم والعلماء .
   مضت زهرة في دراستها تنتقل من عام إلي عام متفوقة علي جميع الفرق ، وتخرجت من الجامعة بترتيب الأولي علي كلِّياتها ، والأولي علي الجامعة ،  وكُرِّمت في عيد العلم ، و أعطاها رئيس الجمهورية جائزة التفوق ، وذاع صيتُها في مصر ، وعُيِّنت معيدة في إحدى الكليات ، وبدأت دراستها العليا في قسم أصول الإسلام  ، وفي أول يوم في الدراسة فوجئت أنها تجلس وجها لوجه أمام الدكتور  هجرس العويل ، الذي طالما حلُمت بالسلام عليه ، أو الجلوس بين يديه ، وبدأت الدراسة  وبعد فترة  شعرت نحوه بشعور غريب ، شعرت أنه  يحقد عليها ، ويسفِّه أراءها ، ويقتل أحلامها ، ويسرق أملها في التفوق ، وجاء الامتحان التحريري ، وكانت الأولي كما تعوَّدت ، وفي الامتحان الشفوي جلست بين يدي هجرس وزميل له أكثر منه شراسة ، وسألوها ، و أجابت كأحسن ما تكون الإجابة ، ووجهت نقداً إلي بعض الأراء التي لا تنسجم مع القرآن الكريم ، ولا السنة الصحيحة التي لا تعارضه .
 وقال لها هجرس : أنت إجاباتك صحيحة ولكن لا يمكن لنا أن نعطيك درجة النجاح من أول مرة .
قالت زهرة : إذا كنت استحقها فلماذا لا أحصل عليها ؟
 قال هجرس: لأنك لن تكوني أفضل من أساتذتك الذين لم ينجحوا إلا في المرة الرابعة .
قالت زهرة : وما علاقة ذلك بالعدل الذي أرسى الإسلام قواعده في العالم كله ، و أنا سمعتك في    
               التلفزيون تشرح العدل وتعتبره جوهر الإسلام ، وقلب الإيمان ، و أنا لو رسبت بعد
               كل المجهود الذي بذلته في المذاكرة ، ومقاومتي لظروف أسرتي و آلام الحزن الذي
                يهزَّني بعنف علي مرض أمي الذي لا علاج له ، ولا أمل في شفائه ، لو رسبت بعد 
                كل ذلك يصبح هذا   ظلما فادحا و كارثة لا قِبل لي بها .
قال هجرس : أنت تتهميننا بالظلم ، والله لن تنجحي أبداً في هذا القسم مهما كانت الظروف .

عادت زهرة إلي قريتها ، والحزن يعتصرها ،تكاد تفقد عقلها مما حدث وبعد أيام أصيبت بارتفاع في درجة الحرارة ، وقيء ، و ألم لا حدود لها ، وذهبت إلي الطبيب وشخَّص لها المرض ، بأنه قرحة في المعدة ، وسألها عن الأسباب ، وقصت عليه ما حدث ، ولكنه طمأنها ، بأن الامتحانات التالية ستكون أفضل ، و أنه لا يمكن لأستاذ في الجامعة ، أن يفقد عقله وعدله ، لأن العدل قيمة إنسانية لا غنى عنها للبشر ، بل أحيانا نجده عند الحيوان .
        
مضت الأيام وفي كل الامتحانات يقول د . هجرس العويل لزهرة ، ما يقوله لها في الامتحانات السابقة لا يمكن أن تنجحي طوال وجودي في الجامعة ، وبعد استنفاد مرات الرسوب في أربع سنوات ، حوَّلت الجامعة زهرة إلي عمل إداري ، عجَّلت مشكلتُها بموت أمها ، وخروج أخويها إلي بلد عربي ، و أصبحت  زهرة وحيدة  لا تجد تفسيرا  لما حدث ، وفي يوم من الأيام سألت أحد الأساتذة من الذين كانوا يعطفون عليها .
قالت زهرة : يا أستاذي هل ما حدث أمر طبيعي ، وهل هذا الأستاذ يؤمن باليوم الأخر ،
               وبالحساب ، حتى علي حبة من خردل ، أو ذرة ، أو أكبر من ذلك أو أصغر ؟ !
قال الأستاذ : يا ابنتي الخير كثير في معظم الأساتذة ، ولكنك وقعتي مع رجل ، نشأ نشأة سيئة ،
                فقد كان أبوه حنوتيًّا [ لحَّادا ] وكان يقطِّع الموتى  ويعطي الأجزاء لابنه هذا
                ليوزعها علي طلبة الطب ، ولكنه وصل في النهاية إلي هذا المنصب ، وهناك حديث
              ضعيف ، ولكن معناه صحيح  وهو : [ لا تعلموا أبناء السفلة العلم ]  ، وربما كانت  
             هذه حكمة  يونانية . وهؤلاء يغلبهم طبعهم الحقير ، ولا يُدخْلون الله  في معادلة
             حياتهم . ولكنك  لماذا لم تشتك من أول يوم قال لك فيه  ما قال ؟
قالت : شكوت في كل مكان ، وكان الرد أن هذا عالم كبير  و إمام جليل ، و أنت تدَّعين عليه لأنك
        لم تذاكري كما يجب . و أخر شكوى رفعتها لله تعالى ، و أعيش على أمل أن يردَّ اللهُ تعالي
       علي شكوتي ، ويثلج صدري بانتقامه من الظالم .
ذاع صيت د . هجرس العويل ، بسبب شدته وقسوته ، وعدم وجود من يردُّه إلي صوابه ، ووصلت السمعة إلي أقربائه في إحدى المدن ، وطلبوا منه زيارتهم ، فأعد العدة وجمع الهدايا ، واشترى سيارة فارهة وفاخرة  لهذا الغرض ، و أخذ معه زوجته و أولاده الثلاث  ولم يكن له غيرهم في الدنيا  ، وركب الجميع في السيارة وهم في غاية الزهو والفرح . وفي منتصف الطريق الذي يجاور  ترعة عميقة  وكبيرة ، تركت السيارة الطريق العادي ، واندفعت بكل قوة وسلاسة إلي قاع النهر ، وهلك د . هجرس و أسرته في لحظات و نُشر الخبر في كل الصحف ، وقرأته زهرة ، وهي تتلوى من آلام القرحة ،و قالت :اللهم اجعل آخرته أسوأ من نهايته في الدنيا ، وفي اليوم الثالث  بعد الحادث حضر أقرباؤه  ، وتسلموه و أولاده من المشرحة  ، وقاموا بإجراءات الجنازة ، وعند الصلاة عليه سمع المُصلُّون صوت كلب  ينبح بصوت يملؤه الغيظ والألم ، ولا يكف عن النباح .
 فقال رجل لجاره : بعد الصلاة بما تفسر نباح الكلب أثناء صلاة الجنازة  ؟
قال الجار: عندنا في قريتنا أسطورة ملخَّصُها : أن الكلب ينبح بهذه الطريقة ليقول للمصلين
لا تدعوا له ، أو ينبح لأنه يري ملائكة العذاب يتسارعون للقبض عليه أيهم يسبق الآخر .
أما زهرة فقد أضعفت القرحة جسدها ، وشوهت جمالها ، وكانت تتكوم في سريرها مثل طفلة صغيرة لضعف جسمها ، وكانت  أحيانا تتذكر ما حدث لها ، وكيف أضاع د . هجرس عملها وجهدها ، وخيب أملها ، وكانت تقول دائما: حسبي الله ونعم الوكيل ، وبعد عام من هلاك هجرس العويل ، ماتت زهرة ، وودعها أهل القرية ، وودعوا معها العدل والرحمة ، والإنسانية ،
و انطفأت شمعة كان من الممكن أن تضيء طريق المسلمين ..... !!!

                                   بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
 ا.د. محمد أبوزيد الفقي

11جماد الأولى 1437هــ ، 20فبراير 2016م

www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   

 ملحوظة :
 نناشد رؤساء الجامعات
 بإعادة امتحان أي طالب يتظلم من نتيجته في الدراسات العليا
عن طريق لجنة مختلفة لأن الظلم لا يولد إلا ظلما

 وكفانا ظلاما في حياتنا .
  #سنابل_العزة
    #الظلم _ظلمات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق