قبل الغروب
عوامل السقوط
نقصد بعوامل السقوط . الأسباب التي أدت إلى
سقوط العالم العربي في الوقت الحالي، وفنائه بعد ذلك ، ونحاول من خلال تسليط الضوء
على هذه العوامل ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أو تأخير وقوع الفناء العربي .أو عودة
العالم العربي إلى الحياة ،والتأثير فيها من جديد .
الكارثة الكبرى
في إخراج الله
من معادلة الحياة (5)
129- زهرة والعوِيِل:
في إحدى
القرى المصرية كان يعيش عبد السلام ، يعمل أجيرا عند أغنياء القرية ، تزوج من
حميدة ، و أنجب منها ثلاثة أبناء ( ولدين ، وبنت ) ، ذات مساء انقلب الجرار
الزراعي ، الذي كان يركبه عبد السلام بجوار السائق ، ومات السائق ومات عبد السلام
تحت الجرَّار ، ترك عبد السلام حميدة زوجته وأحمد وعلي وزهرة ، ولم يترك لهم من
حطام الدنيا إلا الحطام ، بعد العزاء
وانتهاء الأحزان ، أو تواريها ، خلف أشجار الألم ، والأمل ، قررت حميدة أن
تُعلَّم أبناءها الثلاث ، و أن تعمل كخادمة في البيوت ، وعاملة في المزارع ، من
أجل تعليم أبناءها ، انتظم أحمد وعلي في الدراسة حتى حصل على دبلوم الصنايع ، ووصلت
زهرة إلي الصف الثاني الثانوي ، لتحقق في
التعليم أمال أمها و أبيها ، ومرضت حميدة
، وبالكشف عليها ،حدد الأطباء مرضها بأنها تعاني من فشل في الكليتين ، و لابد لها
من عمل غسيل كُلوي ثلاث مرات في الأسبوع ، لم يجد أحمد وعلي أمامهما لعلاج أمهما ،
والإنفاق علي أختهما سوى العمل في المزارع الموجودة بالقرية ، لأن الوظيفة في مصر
المحروسة ، لا يصل إليها الفقراء بالطريق المباشر ، مثل جميع بلاد الدنيا ، بل
بطرق شيطانية ، كانت حميدة تذهب للغسيل الكلوي يوما ، وتستريح يوما ، وفي يوم
الراحة كانت تشاهد البرامج الدينية في التلفزيون ، وأحيانا كانت تشاركها زهرة في
هذه المشاهدة ، وعن طريق المشاهدة انبهرت حميدة و ابنتها ، بالدكتور هجرس العويل ،
وتحول الانبهار إلي إعجاب ، والإعجاب إلي حب ، ولكنه حب طاهر ، غايته احترام العلم
والعلماء .
مضت زهرة في
دراستها تنتقل من عام إلي عام متفوقة علي جميع الفرق ، وتخرجت من الجامعة بترتيب
الأولي علي كلِّياتها ، والأولي علي الجامعة ،
وكُرِّمت في عيد العلم ، و أعطاها رئيس الجمهورية جائزة التفوق ، وذاع صيتُها
في مصر ، وعُيِّنت معيدة في إحدى الكليات ، وبدأت دراستها العليا في قسم أصول
الإسلام ، وفي أول يوم في الدراسة فوجئت
أنها تجلس وجها لوجه أمام الدكتور هجرس
العويل ، الذي طالما حلُمت بالسلام عليه ، أو الجلوس بين يديه ، وبدأت
الدراسة وبعد فترة شعرت نحوه بشعور غريب ، شعرت أنه يحقد عليها ، ويسفِّه أراءها ، ويقتل أحلامها ،
ويسرق أملها في التفوق ، وجاء الامتحان التحريري ، وكانت الأولي كما تعوَّدت ، وفي
الامتحان الشفوي جلست بين يدي هجرس وزميل له أكثر منه شراسة ، وسألوها ، و أجابت
كأحسن ما تكون الإجابة ، ووجهت نقداً إلي بعض الأراء التي لا تنسجم مع القرآن
الكريم ، ولا السنة الصحيحة التي لا تعارضه .
وقال لها هجرس :
أنت إجاباتك صحيحة ولكن لا يمكن لنا أن نعطيك درجة النجاح من أول مرة .
قالت زهرة : إذا كنت استحقها فلماذا لا أحصل عليها ؟
قال هجرس: لأنك
لن تكوني أفضل من أساتذتك الذين لم ينجحوا إلا في المرة الرابعة .
قالت زهرة : وما علاقة ذلك بالعدل الذي أرسى الإسلام
قواعده في العالم كله ، و أنا سمعتك في
التلفزيون
تشرح العدل وتعتبره جوهر الإسلام ، وقلب الإيمان ، و أنا لو رسبت بعد
كل المجهود الذي بذلته في المذاكرة ،
ومقاومتي لظروف أسرتي و آلام الحزن الذي
يهزَّني
بعنف علي مرض أمي الذي لا علاج له ، ولا أمل في شفائه ، لو رسبت بعد
كل ذلك يصبح هذا ظلما فادحا و
كارثة لا قِبل لي بها .
قال هجرس : أنت تتهميننا بالظلم ، والله لن تنجحي أبداً
في هذا القسم مهما كانت الظروف .
عادت زهرة إلي قريتها ، والحزن يعتصرها ،تكاد تفقد عقلها
مما حدث وبعد أيام أصيبت بارتفاع في درجة الحرارة ، وقيء ، و ألم لا حدود لها ،
وذهبت إلي الطبيب وشخَّص لها المرض ، بأنه قرحة في المعدة ، وسألها عن الأسباب ،
وقصت عليه ما حدث ، ولكنه طمأنها ، بأن الامتحانات التالية ستكون أفضل ، و أنه لا
يمكن لأستاذ في الجامعة ، أن يفقد عقله وعدله ، لأن العدل قيمة إنسانية لا غنى
عنها للبشر ، بل أحيانا نجده عند الحيوان .
مضت الأيام وفي كل الامتحانات يقول د . هجرس العويل
لزهرة ، ما يقوله لها في الامتحانات السابقة لا يمكن أن تنجحي طوال وجودي في
الجامعة ، وبعد استنفاد مرات الرسوب في أربع سنوات ، حوَّلت الجامعة زهرة إلي عمل
إداري ، عجَّلت مشكلتُها بموت أمها ، وخروج أخويها إلي بلد عربي ، و أصبحت زهرة وحيدة
لا تجد تفسيرا لما حدث ، وفي يوم
من الأيام سألت أحد الأساتذة من الذين كانوا يعطفون عليها .
قالت زهرة : يا أستاذي هل ما حدث أمر طبيعي ، وهل هذا
الأستاذ يؤمن باليوم الأخر ،
وبالحساب ، حتى علي حبة من خردل ، أو ذرة ، أو أكبر من ذلك أو أصغر ؟ !
قال الأستاذ : يا ابنتي الخير كثير في معظم الأساتذة ،
ولكنك وقعتي مع رجل ، نشأ نشأة سيئة ،
فقد
كان أبوه حنوتيًّا [ لحَّادا ] وكان يقطِّع الموتى ويعطي الأجزاء لابنه هذا
ليوزعها علي طلبة الطب ، ولكنه وصل في النهاية
إلي هذا المنصب ، وهناك حديث
ضعيف
، ولكن معناه صحيح وهو : [ لا تعلموا
أبناء السفلة العلم ] ، وربما كانت
هذه
حكمة يونانية . وهؤلاء يغلبهم طبعهم
الحقير ، ولا يُدخْلون الله في معادلة
حياتهم . ولكنك
لماذا لم تشتك من أول يوم قال لك فيه ما قال ؟
قالت : شكوت في كل مكان ، وكان الرد أن هذا عالم
كبير و إمام جليل ، و أنت تدَّعين عليه
لأنك
لم
تذاكري كما يجب . و أخر شكوى رفعتها لله تعالى ، و أعيش على أمل أن يردَّ اللهُ
تعالي
علي شكوتي ، ويثلج صدري بانتقامه من الظالم .
ذاع صيت د . هجرس العويل ، بسبب شدته وقسوته ، وعدم وجود
من يردُّه إلي صوابه ، ووصلت السمعة إلي أقربائه في إحدى المدن ، وطلبوا منه
زيارتهم ، فأعد العدة وجمع الهدايا ، واشترى سيارة فارهة وفاخرة لهذا الغرض ، و أخذ معه زوجته و أولاده
الثلاث ولم يكن له غيرهم في الدنيا ، وركب الجميع في السيارة وهم في غاية الزهو
والفرح . وفي منتصف الطريق الذي يجاور ترعة
عميقة وكبيرة ، تركت السيارة الطريق
العادي ، واندفعت بكل قوة وسلاسة إلي قاع النهر ، وهلك د . هجرس و أسرته في لحظات
و نُشر الخبر في كل الصحف ، وقرأته زهرة ، وهي تتلوى من آلام القرحة ،و قالت
:اللهم اجعل آخرته أسوأ من نهايته في الدنيا ، وفي اليوم الثالث بعد الحادث حضر أقرباؤه ، وتسلموه و أولاده من المشرحة ، وقاموا بإجراءات الجنازة ، وعند الصلاة عليه
سمع المُصلُّون صوت كلب ينبح بصوت يملؤه
الغيظ والألم ، ولا يكف عن النباح .
فقال رجل لجاره
: بعد الصلاة بما تفسر نباح الكلب أثناء صلاة الجنازة ؟
قال الجار: عندنا في قريتنا أسطورة ملخَّصُها : أن الكلب
ينبح بهذه الطريقة ليقول للمصلين
لا تدعوا له ، أو ينبح لأنه يري ملائكة العذاب يتسارعون
للقبض عليه أيهم يسبق الآخر .
أما زهرة فقد أضعفت القرحة جسدها ، وشوهت جمالها ، وكانت
تتكوم في سريرها مثل طفلة صغيرة لضعف جسمها ، وكانت أحيانا تتذكر ما حدث لها ، وكيف أضاع د . هجرس
عملها وجهدها ، وخيب أملها ، وكانت تقول دائما: حسبي الله ونعم الوكيل ، وبعد عام
من هلاك هجرس العويل ، ماتت زهرة ، وودعها أهل القرية ، وودعوا معها العدل والرحمة
، والإنسانية ،
و انطفأت شمعة كان من الممكن أن تضيء طريق المسلمين
..... !!!
بذنوبنا
أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا.د. محمد
أبوزيد الفقي
11جماد
الأولى 1437هــ ، 20فبراير 2016م
www.sanabelalezaa.com الموقع الالكتروني
Dr.
MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy صفحة الفيس بوك
ملحوظة :
نناشد رؤساء الجامعات
بإعادة امتحان
أي طالب يتظلم من نتيجته في الدراسات العليا
عن طريق لجنة مختلفة لأن الظلم لا يولد إلا ظلما
وكفانا ظلاما في
حياتنا .
#سنابل_العزة
#الظلم _ظلمات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق