سنابل العزة

السبت، 13 فبراير 2016

إخراج الله من معادلة الحياة (4) - مجنون أنيسة وبناتها

قبل الغروب
عوامل السقوط


                                                                                               الكارثة الكبرى
                                                                                                     إخراج الله
  من معادلة الحياة (4)
128 - مجنون أنيسة وبناتها:

بقلم : د. محمد أبو زيد الفقي 

     في إحدى القرى في مصر ، نشأت أنيسة وتربت ، وتعلمت ، حتى حصلت على ليسانس الآداب قسم الفلسفة ، فتاة جميلة ، من أسرة متوسطة ، أحبت أحمد ابن الجيران في قريتها حبا عفيفا شريفا ، كان أكثره بنظرات الأعين ، دون لمس أو مس ، وتواعدا علي الزواج كنهاية  لقصة حبهما الشريفة .
   سافرت يوما إلي المدينة [ المركز ]  لشراء بعض الأشياء  وكان معها أبوها ، وفي أحد المحلات ، اقترب منها : دياب الخالي ، قدم نفسه لأبيها
 وقال: أنا د .  دياب  الخالي ، طبيب بالمستشفي العام ، ولي عيادة خاصة ، ولي شقة واسعة ، وسيارة فارهة ، و أتمنى أن أشرب معك الشاي .
قال الرجل : وهل تعُرفني يا ابني ، قال د. دياب : تُشرفني معرفتُك ، قال والد أنيسة : أنا الحاج عبد القوي ، من قرية الزواوي ، وعندي ثلاث بنات ، بنتي هذه كُبراهن ، وهي حاصلة علي ليسانس الآداب هذا العام ، وتشرفني زيارتك يا دكتور  .
 كان الحاج عبد القوي لا يعرف قصة حب [ أنيسة وأحمد ] ــ فقال الدكتور سأزورك غدا ومعي والدي ووالدتي . كانت أنيسة تملك جمالا باهراً، وقاهراً في آن واحد جعل د. دياب يتعجَّل في زيارة أهلها .
  في اليوم التالي : حضر د . دياب ومعه أهله ، وتناولوا الغداء مع أسرة أنيسة ، وبعد الترحيب ، والمقدمات قال والد د. دياب الحاج عبده الخالي ، لوالد أنيسة : لقد أتينا للتعارف ، ولكن خيرالبر عاجله ، نحن نرغب في القرب منكم  ، وزواج ابننا د. دياب من ابنتكم الأستاذة أنيسة ، مع العلم أن دياب طبيب ناجح في المستشفي العام ، وله عيادة خاصة في المركز ، وهو جراح ناجح ، وكل الناس تتحدث عنه وعن شهرته ، قال والد أنيسة : يشرفنا نسبكم يا حج ، ولكن
لا بد من إعطائنا وقتا لسؤال أنيسة و أمها ، و أعمامها و أخوالها .
 قال : الحج عبد القوي :   يكفيك أسبوع
 قال : يكفي قال علي بركة الله .
  كان هذا الأسبوع من أسود أيام أنيسة علي الإطلاق ، أو قل كان بداية لأيام سوداء غبراء
 لا نهاية لها ، فقد أصبحت ممزقة بين حبها ، و أهلها ، لها قلب امتلاء بالحب لابن الجيران أحمد ، وقلوب أهلها امتلأت بحب المال والجاه عند د . دياب ، حاولت إقناع أهلها بحبها فلم تجد عندهم قبولا لأفكارها ، واستغاثت بأخوالها و أعمامها ، فلم يكن موقفهم أفضل من موقف أبيها ، و أمها ، واستسلمت للأمر الواقع ، وفي خلال ثلاثة أشهر كانت تزف إلي د. دياب الخالي ، لبست فستان العرس الأبيض ، وكل شيء حولها كان أسوداً ، وكان هذا إرهاصا بأيامها القادمة ، غادرت القرية بجسدها ، وتركت قلبها  مدفونا في ترابها .
   وفي الشهر الأول والذي يليه كان د. دياب يحاول أن يكون لطيفا معها ، تجاهل صمتها وحزنها ، وركز علي التمتع بجمالها ، ومضت الأيام ، وبعد عام من الزواج أنجبت ابنتها الأولي ، وكانت هذه صدمة أولي لزوجها ، لأنه يحب الأولاد الذكور فقط ، ولا يميل بطبعه  إلي البنات مطلقا ، وتحولت الشقة إلي سرادق عزاء من أهله ، بسبب إنجاب الطفلة الأولي ، ومن هنا بدأت أنيسة تستعيد ما تعلمته من الفلسفة ، ولكنها لم تستطع فلسفة ما يحدث لها ، واستسلمت لقول طاغور شاعر الهند العظيم : [  ضع نفسك في مهب الريح ] ، وبالفعل وضعت نفسها في مهب الريح العاصف بها من كل ناحية .
  عادت الخادمة مزروعة من السوق، وقالت لأنيسة يا سيدتي سمعت كلاما لا يسر عدو ولا حبيب، عن سيِّدي د. دياب .
 قال أنيسة: وماذا سمعت يا مزروعة ؟
قالت : بعض الناس يقولون إنه يتاجر في الأعضاء البشرية ، ويسرق الكلي من المرضي ويرسلها للعاصمة ، فتوضع في أجسام أثرياء المصريين و أثرياء العرب .
  بدأ الشك  يلعب برأس أنيسة ، وبدأت تتعسس مكالمات زوجها مع الآخرين ، وتأكدت من قول مزروعة ، وواجهته بما تعلم ،  وكانت الغرابة الشديدة ، أنه لم ينكر .
 وقال لها: هذا عمل أقوم به، و أنا من حقي أن أعيش مثل الأثرياء، طالما أن لدي عقل يمكِّنني من ذلك.
قالت : ولكن هذا يغضب الله سبحانه وتعالي
 قال لها :وما دخل الله في ذلك ، إنني أنقل عضوا من إنسان لا يحتاجه ، إلي إنسان يحتاجه
 قالت : وهل أخبرت المريض ؟
قال : ولماذا أخبره ؟
قالت : وكم تكسب من نقل الكلية الواحدة ؟
قال : إذا كانت لمصري ( 200 ) ألف مئتي ألف جنيه ، أما الثري العربي فأحيانا  أحصل علي ربع أو نصف مليون جنيه ، أظهرت أنيسة أنها معجبة بزوجها
  [ لأول مرة تستعمل سطوة الأنوثة وكيد النساء ]  
وقالت له : وماذا تفعل لكي يتم هذا الموضوع ؟


قال :إذا جاءني المريض بألم في جانبه الأيمن أو الأيسر ، أشخص له المرض علي أنه في حاجة إلي عملية جراحية ، فإذا كان الأيمن ، قلت له الزائدة الدودية ، و إذا كان الأيسر قلت له هناك ورم في الأمعاء الغليظة النازلة ، وهذا يحتاج إلي مجموعة تحاليل حتى يكون العلاج علي ما يرام ، وسوف أرسلك إلي مستشفي " كذا " لعمل التحاليل بالمجان ، ويمكن أن نعمل لك  العملية هناك ، وبعد ذلك يتم كل شيء في هدوء ،.
قال أنيسة: ولكني أشك أن هذا حرام، و أخاف علي مستقبلنا مما تفعله، لأن الله تعالى يمهل الظالم ولكنه لا يهمله
قال : قلت لك لا علاقة لله بهذا ‘ إذا كان الله يطلب منا الصلاة فأنا أصلي معظم الفروض في المسجد، والزكاة نؤديها ، ونصوم رمضان ، وحججت أنا وأنتي ثلاث مرات ، فليس لله علاقة بأعمالنا ووظائفنا .
   في توقيت هذا الحديث كانت أنيسة قد أنجبت له ست بنات، وفي وضع كل بنت كان بيتها يتحول إلي سرادق عزاء من الأهل، وحزن لا ينقطع من زوجها.
 وكان يقول لها: إذا لم تأت لي بولد سوف أطلقك، و أطردك أنت والست مصائب خارج بيتي،
و أحرمك من هذا العز الذي تعيشين فيه، وكانت ترد عليه قائلة: إن جهنم أرحم مما أنا فيه الآن.
   ذات ليلة رأت أنيسة في منامها أنها ستنجب ولدا ، و أخبرت زوجها بما رأت ، وطلبت منه إزالة مانع الحمل حتى يأتي الولد ، وفرح بذلك ، وتم الحمل وبعد شهور  قال لها : يا أنيسة ، سأقوم بعمل  [ سونار ] للكشف علي نوع الجنين ، فإن كان ولدا تركناه ، و إن كانت بنتا أنزلناه
قالت: أخشى أن تكون بنتا ونشرك بالله بسبب  قتلها، وهذا حرام
قال لها : لا يوجد حرام في الطب ، وقام بعمل [ السونار ] وظهرت الصورة بملامح بنت وليست ولدا ، فأخذها إلي طبيب نساء وتوليد ، ويبدو أنه كان علي شاكلته ، وقام بإجراء عملية إجهاض لأنيسة ، وعندما نزل الجنين في شهره الخامس اتضح أنه ولد وليس بنتا ، وعندما شاهد
 د . دياب ذلك فقد عقله تماما ، وترك البيت ، والطب ، والشهرة ، وساح في الطرقات ، وعلي كباري الطرق كان يبيت ، يرتدي جلبابا واحد ، دون ملابس داخلية ، يتبول ويتبرز علي نفسه ، وكانت المدينة  تكرهه ولا تحُّن عليه ، حتى أهله ، إلا بعض الناس ، كان يرق قلبُهم له ، فيغسلونه بخراطيم المياه كما يفعلون مع الحيوانات ، وطال بقائه ممزق الملابس  هائما علي وجهه في الطرقات ، ومرض بالسل الرِّئوي ، وكان ينام في نهاية الليل عند كوبري قريب من أحد أقسام البوليس .
كان الجندي عبد العال يمر في دركه ، فوق الكوبري ، ويري د . دياب وهو مكوم  مثل كومة صغيرة من الزبالة ، وكان يروح علي الكوبري ، ذهابا ، و إيابا  ، وعند الفجر  لاحظ كلبا يرفع ساقه ويتبوَّل فوق د.دياب  وبعد قليل رأى حماراً يتبول بالقرب من د. دياب ولكن البول يتجه  إلي جسد دياب ويغمره ، فطرد الحمار ، وذهب إلي دياب ليوقظه وينقله إلي مكان آخر ، وحرّكه ، فلم يتحرك معه  واكتشف  أنه قد مات ، فبكي الجندي بحرقه ، و أخبر قادته ، وتم إبلاغ المستشفي لإرسال طبيب يكتب تصريح الدفن  ، وعندما كانت الشرطة مشغولة بتصاريح دفن
 د . دياب ، و أشرقت شمس اليوم التالي ، وليس في الدنيا  د. دياب ، ونظر الجندي إلي الشمس فرآها  وكأنها اغتسلت من الجنابة لتوها ، وأشرقت بنور ربها . وخرج المصلون من المسجد المجاور لقسم الشرطة ، وعبر أحدهم الكوبرى ، ونظر إلي د .دياب وهو مكوم كبقية ذبالة متروكة ولسوء الحظ كان هذا الرجل ممن سرق منهم د .دياب كليته فردد قول الشاعر الشعبي ابن عروس:
    
      لا بد من يوم معلوم تُردُّ فيه المظالم         أبيض علي كل مظلوم أسود علي كل ظالم  

 ولم تنته القصة ، و ما زالت تتكرر ، ولكنها انتهت بالنسبة لدياب
 قال تعالى :
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }
سورة سبأ الآية 54
وقال تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } سورة الشورى الآيتين 50،49
                                   بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
 ا.د. محمد أبوزيد الفقي

4 جماد الأولى 1437هــ ، 13فبراير 2016م

www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   
    #سنابل_العزة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق