قبل الغروب
عوامل السقوط
الكارثة الكبرى
إخراج الله
من معادلة الحياة (4)
128 - مجنون أنيسة وبناتها:
بقلم : د. محمد أبو زيد الفقي
في إحدى القرى في مصر ، نشأت أنيسة وتربت ،
وتعلمت ، حتى حصلت على ليسانس الآداب قسم الفلسفة ، فتاة جميلة ، من أسرة متوسطة ،
أحبت أحمد ابن الجيران في قريتها حبا عفيفا شريفا ، كان أكثره بنظرات الأعين ، دون
لمس أو مس ، وتواعدا علي الزواج كنهاية
لقصة حبهما الشريفة .
سافرت يوما
إلي المدينة [ المركز ] لشراء بعض
الأشياء وكان معها أبوها ، وفي أحد
المحلات ، اقترب منها : دياب الخالي ، قدم نفسه لأبيها
وقال: أنا د . دياب
الخالي ، طبيب بالمستشفي العام ، ولي عيادة خاصة ، ولي شقة واسعة ، وسيارة
فارهة ، و أتمنى أن أشرب معك الشاي .
قال الرجل : وهل تعُرفني يا ابني ، قال د. دياب :
تُشرفني معرفتُك ، قال والد أنيسة : أنا الحاج عبد القوي ، من قرية الزواوي ،
وعندي ثلاث بنات ، بنتي هذه كُبراهن ، وهي حاصلة علي ليسانس الآداب هذا العام ،
وتشرفني زيارتك يا دكتور .
كان الحاج عبد
القوي لا يعرف قصة حب [ أنيسة وأحمد ] ــ فقال الدكتور سأزورك غدا ومعي والدي
ووالدتي . كانت أنيسة تملك جمالا باهراً، وقاهراً في آن واحد جعل د. دياب يتعجَّل
في زيارة أهلها .
في اليوم
التالي : حضر د . دياب ومعه أهله ، وتناولوا الغداء مع أسرة أنيسة ، وبعد الترحيب
، والمقدمات قال والد د. دياب الحاج عبده الخالي ، لوالد أنيسة : لقد أتينا
للتعارف ، ولكن خيرالبر عاجله ، نحن نرغب في القرب منكم ، وزواج ابننا د. دياب من ابنتكم الأستاذة
أنيسة ، مع العلم أن دياب طبيب ناجح في المستشفي العام ، وله عيادة خاصة في المركز
، وهو جراح ناجح ، وكل الناس تتحدث عنه وعن شهرته ، قال والد أنيسة : يشرفنا نسبكم
يا حج ، ولكن
لا بد من إعطائنا وقتا لسؤال أنيسة و أمها ، و أعمامها و
أخوالها .
قال : الحج عبد
القوي : يكفيك أسبوع
قال : يكفي قال
علي بركة الله .
كان هذا الأسبوع من أسود أيام أنيسة علي الإطلاق
، أو قل كان بداية لأيام سوداء غبراء
لا نهاية لها ،
فقد أصبحت ممزقة بين حبها ، و أهلها ، لها قلب امتلاء بالحب لابن الجيران أحمد ، وقلوب
أهلها امتلأت بحب المال والجاه عند د . دياب ، حاولت إقناع أهلها بحبها فلم تجد
عندهم قبولا لأفكارها ، واستغاثت بأخوالها و أعمامها ، فلم يكن موقفهم أفضل من
موقف أبيها ، و أمها ، واستسلمت للأمر الواقع ، وفي خلال ثلاثة أشهر كانت تزف إلي
د. دياب الخالي ، لبست فستان العرس الأبيض ، وكل شيء حولها كان أسوداً ، وكان هذا
إرهاصا بأيامها القادمة ، غادرت القرية بجسدها ، وتركت قلبها مدفونا في ترابها .
وفي الشهر الأول
والذي يليه كان د. دياب يحاول أن يكون لطيفا معها ، تجاهل صمتها وحزنها ، وركز علي
التمتع بجمالها ، ومضت الأيام ، وبعد عام من الزواج أنجبت ابنتها الأولي ، وكانت
هذه صدمة أولي لزوجها ، لأنه يحب الأولاد الذكور فقط ، ولا يميل بطبعه إلي البنات مطلقا ، وتحولت الشقة إلي سرادق
عزاء من أهله ، بسبب إنجاب الطفلة الأولي ، ومن هنا بدأت أنيسة تستعيد ما تعلمته
من الفلسفة ، ولكنها لم تستطع فلسفة ما يحدث لها ، واستسلمت لقول طاغور شاعر الهند
العظيم : [ ضع نفسك في مهب الريح ] ،
وبالفعل وضعت نفسها في مهب الريح العاصف بها من كل ناحية .
عادت الخادمة
مزروعة من السوق، وقالت لأنيسة يا سيدتي سمعت كلاما لا يسر عدو ولا حبيب، عن
سيِّدي د. دياب .
قال أنيسة:
وماذا سمعت يا مزروعة ؟
قالت : بعض الناس يقولون إنه يتاجر في الأعضاء البشرية ،
ويسرق الكلي من المرضي ويرسلها للعاصمة ، فتوضع في أجسام أثرياء المصريين و أثرياء
العرب .
بدأ الشك يلعب برأس أنيسة ، وبدأت تتعسس مكالمات زوجها
مع الآخرين ، وتأكدت من قول مزروعة ، وواجهته بما تعلم ، وكانت الغرابة الشديدة ، أنه لم ينكر .
وقال لها: هذا
عمل أقوم به، و أنا من حقي أن أعيش مثل الأثرياء، طالما أن لدي عقل يمكِّنني من ذلك.
قالت : ولكن هذا يغضب الله سبحانه وتعالي
قال لها :وما
دخل الله في ذلك ، إنني أنقل عضوا من إنسان لا يحتاجه ، إلي إنسان يحتاجه
قالت : وهل
أخبرت المريض ؟
قال : ولماذا أخبره ؟
قالت : وكم تكسب من نقل الكلية الواحدة ؟
قال : إذا كانت لمصري ( 200 ) ألف مئتي ألف جنيه ، أما
الثري العربي فأحيانا أحصل علي ربع أو نصف
مليون جنيه ، أظهرت أنيسة أنها معجبة بزوجها
[ لأول مرة
تستعمل سطوة الأنوثة وكيد النساء ]
وقالت له : وماذا تفعل لكي يتم هذا الموضوع ؟
قال :إذا جاءني المريض بألم في جانبه الأيمن أو الأيسر ،
أشخص له المرض علي أنه في حاجة إلي عملية جراحية ، فإذا كان الأيمن ، قلت له
الزائدة الدودية ، و إذا كان الأيسر قلت له هناك ورم في الأمعاء الغليظة النازلة ،
وهذا يحتاج إلي مجموعة تحاليل حتى يكون العلاج علي ما يرام ، وسوف أرسلك إلي
مستشفي " كذا " لعمل التحاليل بالمجان ، ويمكن أن نعمل لك العملية هناك ، وبعد ذلك يتم كل شيء في هدوء ،.
قال أنيسة: ولكني أشك أن هذا حرام، و أخاف علي مستقبلنا
مما تفعله، لأن الله تعالى يمهل الظالم ولكنه لا يهمله
قال : قلت لك لا علاقة لله بهذا ‘ إذا كان الله يطلب منا
الصلاة فأنا أصلي معظم الفروض في المسجد، والزكاة نؤديها ، ونصوم رمضان ، وحججت
أنا وأنتي ثلاث مرات ، فليس لله علاقة بأعمالنا ووظائفنا .
في توقيت هذا
الحديث كانت أنيسة قد أنجبت له ست بنات، وفي وضع كل بنت كان بيتها يتحول إلي سرادق
عزاء من الأهل، وحزن لا ينقطع من زوجها.
وكان يقول لها:
إذا لم تأت لي بولد سوف أطلقك، و أطردك أنت والست مصائب خارج بيتي،
و أحرمك من هذا العز الذي تعيشين فيه، وكانت ترد عليه قائلة:
إن جهنم أرحم مما أنا فيه الآن.
ذات ليلة رأت
أنيسة في منامها أنها ستنجب ولدا ، و أخبرت زوجها بما رأت ، وطلبت منه إزالة مانع
الحمل حتى يأتي الولد ، وفرح بذلك ، وتم الحمل وبعد شهور قال لها : يا أنيسة ، سأقوم بعمل [ سونار ] للكشف علي نوع الجنين ، فإن كان ولدا
تركناه ، و إن كانت بنتا أنزلناه
قالت: أخشى أن تكون بنتا ونشرك بالله بسبب قتلها، وهذا حرام
قال لها : لا يوجد حرام في الطب ، وقام بعمل [ السونار ]
وظهرت الصورة بملامح بنت وليست ولدا ، فأخذها إلي طبيب نساء وتوليد ، ويبدو أنه
كان علي شاكلته ، وقام بإجراء عملية إجهاض لأنيسة ، وعندما نزل الجنين في شهره
الخامس اتضح أنه ولد وليس بنتا ، وعندما شاهد
د . دياب ذلك
فقد عقله تماما ، وترك البيت ، والطب ، والشهرة ، وساح في الطرقات ، وعلي كباري
الطرق كان يبيت ، يرتدي جلبابا واحد ، دون ملابس داخلية ، يتبول ويتبرز علي نفسه ،
وكانت المدينة تكرهه ولا تحُّن عليه ، حتى
أهله ، إلا بعض الناس ، كان يرق قلبُهم له ، فيغسلونه بخراطيم المياه كما يفعلون
مع الحيوانات ، وطال بقائه ممزق الملابس
هائما علي وجهه في الطرقات ، ومرض بالسل الرِّئوي ، وكان ينام في نهاية
الليل عند كوبري قريب من أحد أقسام البوليس .
كان الجندي عبد العال يمر في دركه ، فوق الكوبري ، ويري د
. دياب وهو مكوم مثل كومة صغيرة من
الزبالة ، وكان يروح علي الكوبري ، ذهابا ، و إيابا ، وعند الفجر
لاحظ كلبا يرفع ساقه ويتبوَّل فوق د.دياب وبعد قليل رأى حماراً يتبول بالقرب من د. دياب ولكن
البول يتجه إلي جسد دياب ويغمره ، فطرد الحمار
، وذهب إلي دياب ليوقظه وينقله إلي مكان آخر ، وحرّكه ، فلم يتحرك معه واكتشف
أنه قد مات ، فبكي الجندي بحرقه ، و أخبر قادته ، وتم إبلاغ المستشفي
لإرسال طبيب يكتب تصريح الدفن ، وعندما
كانت الشرطة مشغولة بتصاريح دفن
د . دياب ، و
أشرقت شمس اليوم التالي ، وليس في الدنيا
د. دياب ، ونظر الجندي إلي الشمس فرآها
وكأنها اغتسلت من الجنابة لتوها ، وأشرقت بنور ربها . وخرج المصلون من
المسجد المجاور لقسم الشرطة ، وعبر أحدهم الكوبرى ، ونظر إلي د .دياب وهو مكوم
كبقية ذبالة متروكة ولسوء الحظ كان هذا الرجل ممن سرق منهم د .دياب كليته فردد قول
الشاعر الشعبي ابن عروس:
لا بد من
يوم معلوم تُردُّ فيه المظالم أبيض
علي كل مظلوم أسود علي كل ظالم
ولم تنته القصة
، و ما زالت تتكرر ، ولكنها انتهت بالنسبة لدياب
قال تعالى :
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم
مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }
سورة سبأ الآية 54
وقال تعالى : { لِلَّهِ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء
إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ
مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } سورة
الشورى الآيتين 50،49
بذنوبنا أعطانا
الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا.د. محمد
أبوزيد الفقي
4
جماد الأولى 1437هــ ، 13فبراير 2016م
www.sanabelalezaa.com الموقع الالكتروني
Dr.
MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy صفحة الفيس بوك
#سنابل_العزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق