سنابل العزة

الأربعاء، 15 يونيو 2016

قتيل أغاني التسجيل


قبل الغروب
عوامل السقوط

138- قتيل أغاني التسجيل – عيروض ( 14 )


            قبل غروب شمس اليوم الثالث من رمضان المبارك بساعتين ، خرج الأستاذ سعيد   من بيته في احدي مدن مصر ، لشراء طلبات للمنزل لزوم الفطور ، و بدون ترتيب سأل ابنه خالد    [ ست سنوات ] و ابنته سارة [ أربع سنوات ] عن ما يريدانه من السوق ، و قبَّلهما    و خرج مسروراً بما حدث ، و ذهب إلي السوق ، و بدأ في شراء حاجياته ، و أثناء  وقوفه  أمام أحد الباعة ، و قف بجواره [ توك توك ] .  به جهاز تسجيل عالي الصوت بشكل مستفز ،       و سائقه يتمايل علي أنغام هذه الأصوات المنكرة ، فاقترب الأستاذ سعيد من سائق التوك توك :            [ 16 سنة ] و قال له : من فضلك اخفض صوت هذا الجهاز لأنني لا أستطيع تحمُّله ،           أو التحدث مع البائع فيما أريد .
 قال السائق : و هل هذا الشارع ملكك ؟
 قال سعيد : إنه ملكنا جميعا و ليس ملكا خاصا لأحد .
 قال السائق : إنه ملك الرجال فقط ، و ليس ملك العيال أمثالك .
 قال سعيد أنا سأطلب لك النجدة الآن .

 قال السائق : أطلب منهم أن يأتوا بعربة تكريم الموتى معهم .
استدار الأستاذ سعيد إلي البائع ، و كأنه يريد أن ينتهي من هذا الحوار ، و في هذه اللحظة أخرج سائق التوك توك سكينا ، و قام بذبح الأستاذ سعيد من الخلف ،  وسقط الأستاذ سعيد  علي الأرض ، ملتحفا بدمائه ، و علا صراخ النساء ، و بكاء الرجال في السوق ، لأنه كان شابا جميلا  خَلقا و خُلقا ، و كان محبوبا من كل من يعرفه ، و انتشر الخبر في المدينة ، و خيَّم الحزن علي سكانها ، و هربت بهجة رمضان من المدينة ، و عدَّت من الخارج إلي بيتي حزينا كئيبا ، و قلبت أوراق الصحف ، فوجدت أن مثل هذا الحادث قد حدث في معظم المدن المصرية مع اختلاف في التفاصيل ، فنحيت الصحف جانبا ، و حاولت مشاهدة قنوات الأخبار في التلفزيون ، فوجدت القتل في العراق ، و سوريا ، و اليمن ، و ليبيا  بالعشرات و المئات ،       و تضاربت   و تقاطعت في رأسي أفكار رماديَّة يجَلَّلها السواد ، و يضيئها  الظلام  و كنت أردد سؤلا ،  و لا يسمعه أحد ممن هم حولي : هل نحن خير أمة  أخرجت للناس ؟
أم أنها أُخرجت و انتهت فترة طهارتها ، و رفعتها ، و قوتها ، بانتهاء القرون الأولي ؟
 بعد معاناة شديدة أنعم الله تعالي عليَّ بالنوم ،  و ما كدتُّ أستريح ، حتى فاجأني عيروض  بحضوره إليَّ و سألني عن حالي  و قصصت عليه ما أعانيه ، و ما حدث في رمضان .
قال عيروض : تحدثنا قبل ذلك عمَّ يحدث في البلاد العربية ، و عمَّ ستئول إليه الأمور في الأعوام القادمة من خلال رؤية تحليلية للمستقبل المنظور للعرب و للمسلمين ، و لذلك يجدربنا أن نتكلم عن المجتمع المصري ، و عن تخريبه من الداخل ، باعتبار مصر قوة مضافة إلي العرب و المسلمين ، و في انهيارها كسر لظهر العرب و المسلمين ، في وقت واحد .
 قلت : يا عيروض إنَّا لدينا جيش قوي ، و محترم  ، و أمن داخلي لا بأس به .
 قال : هذا ظنكم ، و أنا لا أشكك في جيشكم و أمنكم ، و لكني أشكك في ميدان المعركة           و نوعية  القوي التي تحاربونها .
 قلت : معنى هذا أننا لا نحدد العدو ، و لا نحسب قوته بدقة .
 قال : هناك حقيقة أنتم لا تحبُّون التحدُّث عنها  أو الاعتراف بها .
 قلت : و ما هي ؟
 قال : عندما تتخلف الدولة أو الأمة في التعليم ، و فضائح التعليم عندكم ، و تسريب الأسئلة ،  و الوزير الذي لا يريد أن يستقيل حتى الآن هذه الفضائح تُضحك الجن و الإنس ، و الحجر ،    و يصل التخلف و البلطجة إلي وزارة الصحة ، و يختار الوزير مستشارا له لجمع الرشاوى ،       و وضع بعضها في جورب حذائه ، و يُضبط ، و لم يستقل الوزير حتى الآن ، ولا  أحد يعرف سر تمسك رئيس الوزراء به ، و بغيره من رموز الفساد ، و عندما تتخلف الزراعة ،             و الصناعة ، وكل مرافق الحياة ، فإن ذلك يؤدي إلي نتيجة قاطعة ، و هي أن هذا التخلف الشامل سببه أو نتيجته التخلف العقلي ، و هذه هي الحقيقة  المؤكدة التي لا تعترفون بها ،     ولا تفكرِّون فيها .
 قلت :  وما علاقة ذلك بالقتل الممنهج في شوارع  مصر و مدنها ؟
 قال : أنتم تحاربون طواحين الهواء ، فالأعداء الظاهرين مجموعات ، يحاربها الجيش و الأمن ، و يكرههم المجتمع ، و لكن أعداءكم الحقيقيُّون هم مَثلكُم الأعلي ، و ميدان حبكم .
 قلت : و ضح أكثر يا عيروض .
 قال :  منذ خمس سنوات ، و بعد تنحِّي الرئيس مبارك بشكل سلمي ، رأي أعداؤكم أنه يصعب عليهم تقسيم أو تفتيت المجتمع المصري ، فاتصلوا بأذنابهم في الداخل خاصة في الوسط الفني ، و اتفقوا علي القيام بأعمال دراميَّة ، تهييء المجتمع للعنف و المخدرات ، و التلميحات الجنسية ، و تم نقل أربعة مليارات دولار إلي مصر لإنتاج مسلسلات العام الماضي  الخاصة بالمشاهدة  في رمضان [ ذكر ذلك الفنان حسن يوسف في احدي المجلات ] ،    و يكونون بذلك قد حقَّقوا هدفين ، الهدف الأول  : ـ حرمان المصريين من اغتراف النور في شهر النور ، و تعلم دروس قوة الإرادة  ، و قوة الامتناع ، و سنتكلم عن ذلك فيما بعد .
 والهدف الثاني : ـ  تعليم الشباب ، و المراهقين القيام  بإنهاء أي موضوع ، أو مناقشة بالذبح مهما كانت تفاهة هذا الموضوع ، و أصبح في السينما و التلفزيون  أبطال لهذا الموضوع  ،       و أصبح كل عمل لا يخلو من قتل عدد معين من الناس ، و الغريب أن العامة و المثقفين          و المسئولين  يتابعون هذه المسلسلات  بشغف  العقول التافهة ، و الشعوب  المتخلفة  ،        و لا يعرفون أن هذا يقوض و يقطع عناصر تماسك المجتمع ، و أصبح الابن يقتل أباه، و الأب يقتل أولاده ، و الولد يقتل أمه  ،  من أجل عشرة جنيهات . و هذا ليس غريبا علي مجتمع ترك مجموعة من العملاء الذين باعوا ضمائرهم و شرفهم و استقوُوا بالمعاصي ، و جروُوا إليها كثيرا من أصحاب النفوذ ، و السيطرة علي هذا الوطن ، و أصبحت الليلة الماجنة سلاحا في يد كل ذبابة قذرة في هذا الوطن ، بل أصبح الوطن في خدمة هؤلاء الناس . المهم أن القتل تحول من جريمة بشعة إلي هواية  ، و عمل محبوب ، و ليس هذا مهما ، بل المهم نظرة المسئولين إلي هذا الموضوع .   كيف ينظر رجل الأمن إلي ترشيح مبدأ القتل في الأعمال الدرامية ؟ 
ينظر إليه علي أنه عمل فني . و هذه قمة الغباء و البلاء و التخلف لأن الشر إذا استشرى      في المجتمع  يقع عبؤه أول ما يقع علي عائق رجال الأمن لعدة أسباب :
أ ــ   أن الجريمة تكلف رجال الأمن بذل مجهود شاق للقبض علي المجرم
ب ــ إطعام هذا المجرم و إحضاره ذهابا و إيابا إلي النيابة ثم القضاء ، تعطيل هذا المجرم       و تحويله من إنسان منتج ، إلي إنسان ترعاه الدولة ، أي أن كل مجرم يكلف الدولة في المتوسط  نصف مليون جنيه .
 ج ــ ـ أن هذا المراهق الذي رأي في القتل رجولة و فتوَّه ، من الممكن أن يجمع بعض المراهقين معه ، و يقومون بقتل رجال الشرطة  أنفسهم ، و ليس سرا أن بعض  رجال الشرطة يخافون  من هؤلاء و يعملون لهم ألف حساب .
 قلت : يا عيروض أنت قلت إن المسئولين يعانون من عجز عقلي [ غباء ] ، و عندما يسألون نجوم الفن يقولون إننا ننقل الواقع للناس للاعتبار و العظة .
 قال : مثلك لا يخدع بهذا الكلام ،  لأن وظيفة  الفن جذب الناس إلي الرقي  و التسامي ، و ليس نقل الواقع ، فما الفائدة من قيام المخرج  بتصوير رجل يقضي حاجته  في الحمام ؟!  أليس هذا شيئا مقرفا و مقززا ،  ومثل ذلك نقل القتل و الزنا ، و شرب المخدرات ، إنها مناطق ضعف محدودة جدا عند بعض الناس ، و ليست سمة عامة للمجتمع المصري ، و لقد عاش المصريون  آلاف السنين  في رغد العيش علي ضفاف النيل ، يمتازون  بالطيبة و الحنان ، و التكافل ،      و أحبتهم  شعوب العالم لهذه الصفات الجميلة ، كيف تحولهم مجموعات من الصراصير       الذي يتخذون من  الصرف الصحي مطعما  و ملبسا و مسكنا . كيف يحولون هذا الشعب الكريم ؟   إلي شعب بعض أفراده من المجرمين الذين يقومون بأعمال إجرامية لا يصدقها  العقل       و لا يقرها النقل .
 قلت : يا عيروض  وماذا نفعل ؟
 قال : لا بد أن تقوموا بعمل هيئة رسمية للدفاع الاجتماعي تتكون من أفراد المجتمع المدني    و أفراد الجيش و الشرطة ، و يكون لها قوة  في التنفيذ ، و سرعة في اتخاذ القرار ، و إلا سيتم نسف المجتمع من الداخل  في الوقت الذي تبذلون فيه جهودا كبيرة للدفاع عنه في  الخارج .
 قلت : تتصور يا عيروض أن هذه الهيئة  تستطيع فعلا عمل شيء له قيمة
 قال : يمكن ذلك إذا لم يكن من بين أفرادها من يضع الشيكات في الجوارب أو من له صلة بالفنانين و الفنانات ، و اللصوص  رجالا و نساء .
 قلت : هل عندك أمل ؟
 قال : أليس منكم رجل رشيد ؟
لو تعلمون أنكم متخلفون عقليا لكان ذلك بداية جيدة للعلاج !!!!!!!
قال الله تعالي : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ
لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }    سورة الأعراف الآية 179
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم


 ا . د . محمد أبو زيد الفقي
7 رمضان 1437 هــ ، 12 يونيو 2016 م
www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق