قبل الغروب
عوامل السقوط
138- قتيل أغاني التسجيل – عيروض ( 14 )
قبل غروب شمس اليوم الثالث من رمضان المبارك
بساعتين ، خرج الأستاذ سعيد من بيته في
احدي مدن مصر ، لشراء طلبات للمنزل لزوم الفطور ، و بدون ترتيب سأل ابنه خالد [ ست سنوات ] و ابنته سارة [ أربع سنوات ] عن
ما يريدانه من السوق ، و قبَّلهما و خرج
مسروراً بما حدث ، و ذهب إلي السوق ، و بدأ في شراء حاجياته ، و أثناء وقوفه أمام
أحد الباعة ، و قف بجواره [ توك توك ] . به جهاز تسجيل عالي الصوت بشكل مستفز ، و
سائقه يتمايل علي أنغام هذه الأصوات المنكرة ، فاقترب الأستاذ سعيد من سائق التوك
توك : [
16 سنة ] و قال له : من فضلك اخفض صوت هذا الجهاز لأنني لا أستطيع تحمُّله ، أو التحدث مع البائع فيما أريد .
قال السائق : و
هل هذا الشارع ملكك ؟
قال سعيد : إنه
ملكنا جميعا و ليس ملكا خاصا لأحد .
قال السائق :
إنه ملك الرجال فقط ، و ليس ملك العيال أمثالك .
قال سعيد أنا
سأطلب لك النجدة الآن .
قال السائق :
أطلب منهم أن يأتوا بعربة تكريم الموتى معهم .
استدار الأستاذ سعيد إلي البائع ، و كأنه يريد أن ينتهي
من هذا الحوار ، و في هذه اللحظة أخرج سائق التوك توك سكينا ، و قام بذبح الأستاذ
سعيد من الخلف ، وسقط الأستاذ سعيد علي الأرض ، ملتحفا بدمائه ، و علا صراخ النساء
، و بكاء الرجال في السوق ، لأنه كان شابا جميلا
خَلقا و خُلقا ، و كان محبوبا من كل من يعرفه ، و انتشر الخبر في المدينة ،
و خيَّم الحزن علي سكانها ، و هربت بهجة رمضان من المدينة ، و عدَّت من الخارج إلي
بيتي حزينا كئيبا ، و قلبت أوراق الصحف ، فوجدت أن مثل هذا الحادث قد حدث في معظم
المدن المصرية مع اختلاف في التفاصيل ، فنحيت الصحف جانبا ، و حاولت مشاهدة قنوات
الأخبار في التلفزيون ، فوجدت القتل في العراق ، و سوريا ، و اليمن ، و ليبيا بالعشرات و المئات ، و تضاربت و تقاطعت
في رأسي أفكار رماديَّة يجَلَّلها السواد ، و يضيئها الظلام
و كنت أردد سؤلا ، و لا يسمعه أحد
ممن هم حولي : هل نحن خير أمة أخرجت للناس
؟
أم أنها أُخرجت و انتهت فترة طهارتها ، و رفعتها ، و
قوتها ، بانتهاء القرون الأولي ؟
بعد معاناة
شديدة أنعم الله تعالي عليَّ بالنوم ، و
ما كدتُّ أستريح ، حتى فاجأني عيروض
بحضوره إليَّ و سألني عن حالي و
قصصت عليه ما أعانيه ، و ما حدث في رمضان .
قال عيروض : تحدثنا قبل ذلك عمَّ يحدث في البلاد العربية
، و عمَّ ستئول إليه الأمور في الأعوام القادمة من خلال رؤية تحليلية للمستقبل
المنظور للعرب و للمسلمين ، و لذلك يجدربنا أن نتكلم عن المجتمع المصري ، و عن
تخريبه من الداخل ، باعتبار مصر قوة مضافة إلي العرب و المسلمين ، و في انهيارها
كسر لظهر العرب و المسلمين ، في وقت واحد .
قلت : يا عيروض
إنَّا لدينا جيش قوي ، و محترم ، و أمن
داخلي لا بأس به .
قال : هذا ظنكم
، و أنا لا أشكك في جيشكم و أمنكم ، و لكني أشكك في ميدان المعركة و نوعية القوي التي تحاربونها .
قلت : معنى هذا
أننا لا نحدد العدو ، و لا نحسب قوته بدقة .
قال : هناك
حقيقة أنتم لا تحبُّون التحدُّث عنها أو
الاعتراف بها .
قلت : و ما هي ؟
قال : عندما
تتخلف الدولة أو الأمة في التعليم ، و فضائح التعليم عندكم ، و تسريب الأسئلة ، و الوزير الذي لا يريد أن يستقيل حتى الآن هذه
الفضائح تُضحك الجن و الإنس ، و الحجر ،
و يصل التخلف و البلطجة إلي وزارة الصحة ، و يختار الوزير مستشارا له لجمع
الرشاوى ، و وضع بعضها في جورب حذائه
، و يُضبط ، و لم يستقل الوزير حتى الآن ، ولا
أحد يعرف سر تمسك رئيس الوزراء به ، و بغيره من رموز الفساد ، و عندما
تتخلف الزراعة ، و الصناعة ،
وكل مرافق الحياة ، فإن ذلك يؤدي إلي نتيجة قاطعة ، و هي أن هذا التخلف الشامل
سببه أو نتيجته التخلف العقلي ، و هذه هي الحقيقة
المؤكدة التي لا تعترفون بها ، ولا تفكرِّون فيها .
قلت : وما علاقة ذلك بالقتل الممنهج في شوارع مصر و مدنها ؟
قال : أنتم
تحاربون طواحين الهواء ، فالأعداء الظاهرين مجموعات ، يحاربها الجيش و الأمن ، و
يكرههم المجتمع ، و لكن أعداءكم الحقيقيُّون هم مَثلكُم الأعلي ، و ميدان حبكم .
قلت : و ضح أكثر
يا عيروض .
قال : منذ خمس سنوات ، و بعد تنحِّي الرئيس مبارك بشكل
سلمي ، رأي أعداؤكم أنه يصعب عليهم تقسيم أو تفتيت المجتمع المصري ، فاتصلوا
بأذنابهم في الداخل خاصة في الوسط الفني ، و اتفقوا علي القيام بأعمال دراميَّة ،
تهييء المجتمع للعنف و المخدرات ، و التلميحات الجنسية ، و تم نقل أربعة مليارات
دولار إلي مصر لإنتاج مسلسلات العام الماضي
الخاصة بالمشاهدة في رمضان [ ذكر
ذلك الفنان حسن يوسف في احدي المجلات ] ، و يكونون بذلك قد حقَّقوا هدفين ، الهدف
الأول : ـ حرمان المصريين من اغتراف النور
في شهر النور ، و تعلم دروس قوة الإرادة ،
و قوة الامتناع ، و سنتكلم عن ذلك فيما بعد .
والهدف الثاني :
ـ تعليم الشباب ، و المراهقين القيام بإنهاء أي موضوع ، أو مناقشة بالذبح مهما كانت
تفاهة هذا الموضوع ، و أصبح في السينما و التلفزيون أبطال لهذا الموضوع ، و أصبح
كل عمل لا يخلو من قتل عدد معين من الناس ، و الغريب أن العامة و المثقفين و المسئولين يتابعون هذه المسلسلات بشغف
العقول التافهة ، و الشعوب
المتخلفة ، و لا يعرفون أن هذا يقوض و يقطع عناصر
تماسك المجتمع ، و أصبح الابن يقتل أباه، و الأب يقتل أولاده ، و الولد يقتل
أمه ،
من أجل عشرة جنيهات . و هذا ليس غريبا علي مجتمع ترك مجموعة من العملاء
الذين باعوا ضمائرهم و شرفهم و استقوُوا بالمعاصي ، و جروُوا إليها كثيرا من أصحاب
النفوذ ، و السيطرة علي هذا الوطن ، و أصبحت الليلة الماجنة سلاحا في يد كل ذبابة
قذرة في هذا الوطن ، بل أصبح الوطن في خدمة هؤلاء الناس . المهم أن القتل تحول من
جريمة بشعة إلي هواية ، و عمل محبوب ، و
ليس هذا مهما ، بل المهم نظرة المسئولين إلي هذا الموضوع . كيف ينظر رجل الأمن إلي ترشيح مبدأ القتل في
الأعمال الدرامية ؟
ينظر إليه علي أنه عمل فني . و هذه قمة الغباء و البلاء
و التخلف لأن الشر إذا استشرى في المجتمع
يقع عبؤه أول ما يقع علي عائق رجال الأمن لعدة أسباب :
أ ــ أن
الجريمة تكلف رجال الأمن بذل مجهود شاق للقبض علي المجرم
ب ــ إطعام هذا المجرم و إحضاره ذهابا و إيابا إلي
النيابة ثم القضاء ، تعطيل هذا المجرم
و تحويله من إنسان منتج ، إلي إنسان ترعاه الدولة ، أي أن كل مجرم يكلف
الدولة في المتوسط نصف مليون جنيه .
ج ــ ـ أن هذا
المراهق الذي رأي في القتل رجولة و فتوَّه ، من الممكن أن يجمع بعض المراهقين معه
، و يقومون بقتل رجال الشرطة أنفسهم ، و
ليس سرا أن بعض رجال الشرطة يخافون من هؤلاء و يعملون لهم ألف حساب .
قلت : يا عيروض أنت
قلت إن المسئولين يعانون من عجز عقلي [ غباء ] ، و عندما يسألون نجوم الفن يقولون
إننا ننقل الواقع للناس للاعتبار و العظة .
قال : مثلك لا
يخدع بهذا الكلام ، لأن وظيفة الفن جذب الناس إلي الرقي و التسامي ، و ليس نقل الواقع ، فما الفائدة من
قيام المخرج بتصوير رجل يقضي حاجته في الحمام ؟! أليس هذا شيئا مقرفا و مقززا ، ومثل ذلك نقل القتل و الزنا ، و شرب المخدرات ،
إنها مناطق ضعف محدودة جدا عند بعض الناس ، و ليست سمة عامة للمجتمع المصري ، و
لقد عاش المصريون آلاف السنين في رغد العيش علي ضفاف النيل ، يمتازون بالطيبة و الحنان ، و التكافل ، و أحبتهم
شعوب العالم لهذه الصفات الجميلة ، كيف تحولهم مجموعات من الصراصير الذي يتخذون من الصرف الصحي مطعما و ملبسا و مسكنا . كيف يحولون هذا الشعب الكريم
؟ إلي شعب بعض أفراده من المجرمين الذين يقومون
بأعمال إجرامية لا يصدقها العقل و لا يقرها النقل .
قلت : يا
عيروض وماذا نفعل ؟
قال : لا بد أن
تقوموا بعمل هيئة رسمية للدفاع الاجتماعي تتكون من أفراد المجتمع المدني و
أفراد الجيش و الشرطة ، و يكون لها قوة في
التنفيذ ، و سرعة في اتخاذ القرار ، و إلا سيتم نسف المجتمع من الداخل في الوقت الذي تبذلون فيه جهودا كبيرة للدفاع
عنه في الخارج .
قلت : تتصور يا
عيروض أن هذه الهيئة تستطيع فعلا عمل شيء
له قيمة
قال : يمكن ذلك
إذا لم يكن من بين أفرادها من يضع الشيكات في الجوارب أو من له صلة بالفنانين و
الفنانات ، و اللصوص رجالا و نساء .
قلت : هل عندك
أمل ؟
قال : أليس منكم
رجل رشيد ؟
لو تعلمون أنكم متخلفون عقليا لكان ذلك بداية جيدة
للعلاج !!!!!!!
قال الله تعالي : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ
ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ
لَّا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } سورة الأعراف الآية 179
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا . د . محمد
أبو زيد الفقي
7 رمضان 1437 هــ ، 12 يونيو 2016 م
www.sanabelalezaa.com الموقع
الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy صفحة الفيس
بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق