سنابل العزة

السبت، 14 مايو 2016

مراد و سلوى و عموم البلوى

  

        في حي من أحياء  #القاهرة  عاصمة جمهورية مصر العربية ، كان يعيش الحاج  مسعد ، ملك الألبان  كما كانوا يطلقون عليه ، بدأ حياته  يجمع  #الألبان  من القرى المجاورة للقاهرة ، ثم يوزعها علي المحلات ،  و المنازل ، ثم اكتشف بعد فترة  أنه لو صنعها  ، و حولها إلي جبن  فإن ذلك  سيعود عليه بالربح الوفير ، فاستأجر  محلا كبيرا  ، و حوله إلي معمل لإنتاج جميع أنواع   #الجبن  ، و تزوج من  قريبة له  ، و رزقا بثلاثة أولاد ذكور  ،  مراد و هاني  و حسن  ، و بدأت تجارته تتسع ، فاشترى أرضا  ، و أقام عليها  عمارة كبيرة ، جعل  الدور الأول فيها لصناعة الجبن ، أما بدروم العمارة  [ الدور الأسفل ]  مخزنا للألبان  ، و الجبن  ،     و الدور الأول علوي  جعله معرضا لمنتجاته ، و بدأ تجار الألبان  يأتون إليه  من كل مكان  ويبيعون  ألبانهم له  ، بالإضافة إلي أنه أنشأ مزرعتين  لإنتاج الألبان  من أبقار مستوردة ، و برغم كل هذا الثراء  إلا أنه  كان دائما  يرغب في المزيد ، وبدأ يقبل الألبان  الصالحة و الغير صالحة  للاستهلاك .من وقت لأخر كانت جبنه ملك الجبنه الحاج  مسعد ، تصيب بعض الناس بالقيء و الإسهال ، و كانت تُحرر له وزارة الصحة محاضر باستخدام لبن غير صالح في صناعة الجبن  ، و لكنه كان بأمواله  و نفوذه  يلغي أي مخالفة تحرر ضده  ، و في  أحد الأيام  كان يحكي لأحد أصدقائه  ما يحدث  له من شكاوى الناس ،    و كفران  نعمته عليهم  ، لأنه ينتج لهم بسعر رخيص ، و لكنهم  لا يُقدرون ذلك .




   فقال له صديقه : إذا كان الملح و النار  ،  لا يستران فساد اللبن  ، فعندي اقتراح يريحك من كل هذه المشاكل .
 قال الحاج مسعد : و ما هو ؟
 قال الصديق : تضيف  قليلا من مادة الفورمالين ، و هي كفيلة بالقضاء علي جميع أنواع البكتيريا                و الفيروسات ، و لن تُحرر ضدك  مخالفة بعد ذلك .
 قال الحاج مسعد : و هل في هذه  المادة  ضرر علي صحة الناس ؟
 قال الصديق: الضرر قليل، و معدة المصريين تهضم الزلط، فلا تخف من أي شيء.
    و مضى الحاج مسعد يصنع الجبنه  بالفورمالين ، و الناس تتكاثر علي مصنعه  ، و محلاته ، و كان لأكبر شارع في هذا الحي النصيب  الأكبر  من تناول هذا الجبن بكافة أنواعه .
   أنهى ابنه مراد التعليم الجامعي  ، و تعلق قلبه بزميلة له ، و أحبها حبا شريفا  عفيفا ، و أخبر والده   برغبته  في الاقتران بها ، فرحب بذلك  ، و تم عقد القران ،  و تحديد موعد للزفاف  بعد عامين  ، حتى تكون سلوى  قد انهت   دراسة الماجستير  ، و كان هذا هو شرطها  ، و شرط أبيها  الوحيد ، و وافق مراد لأنه    لا يرى في الدنيا غيرها  ،  و وافق والده الحاج مسعد علي مضض .
    في أحد الأيام  و حسن الابن  الأصغر عائد بسيارته  من الجامعة ، و هو في الطريق  اعترضته  سيارة قادمة من المخالف  ، فحاول تفاديها  ، و انحرف بسرعة  ، و لم يستطع  السيطرة  علي السيارة بعد ذلك ،  و قفزت به في النيل  بقوة ، و بعد ثوان استقرت به السيارة في قاع النيل  ، و تجمع الناس و أبلغوا الشرطة ، وتم  إخراجه  بعد ساعات طويلة من البحث ، و عندما رآه والده الحاج مسعد ، أصيب بجلطة  في القلب       و سقط ميتا ، و تم دفن الاثنين في مكان و زمان واحد ، و لما علمت الحاجة تفيدة زوجة الحاج مسعد بغرق حسن  ووفاة أبيه  ، و أصيبت هي الأخرى بجلطة في المخ  ، و شُلَّت   شللا رباعيا ، و غادرت الدنيا بعد أسبوع لتلحق بأحبابها .
      تعجب أهل الحي مما حدث للحاج مسعد و ابنه وزوجته ، و كانوا  لا يعلمون عنهم إلا خيرا ً ، و تقلصت  الأسرة و لم يبق منها إلا مراد الذي تولى إدارة المصنع بعد أبيه  بنفس الأسلوب ، و هاني الذي كان في نهائي طب  أثناء هذه الحوادث الجسام .  حاولت سلوى أن  تخرج مراد من عزلته و أحزانه  ، و كانت  تصاحبه كثيرا بعد أن ينهي  عمله في المصنع  ، و اقترحت عليه  رحلة نيلية  يوم الجمعة  من كل أسبوع ، فكان يذهب  إلي بيتها لتناول  الغداء مع أسرتها ، ثم يخرجا بعد العصر  في رحلة من حي شبرا  إلي القناطر الخيرية [ مكان جميل للترويح عن النفس  و عندها ينقسم النيل إلي فرعي رشيد و دمياط ]  و في أحد الأيام   و هما عائدان في القارب الخاص بهما نظرت سلوى إلي أشعة الشمس  قبل الغروب ، و هي تنعكس  علي مياه النيل ، لتصنع ألوانا متعددة ، مثل اللون الذهبي  و الفضي  في وقت واحد بسبب انكسار الأشعة  علي أمواج الماء  و هو يعلو فيكون ذهبيا  ، و عندما يهبط يكون فضيا ، و لكن الأشعة أيضا في هذا الوقت         [ وقت الأصيل و الغروب ]  يمكن تصورها  ناراً ضعيفة  تشتعل في حقل  أحد الفلاحين البؤساء ،  كل هذه المعاني تجمعت  في وجدان سلوى ، وهي تجلس علي حافة القارب صامته تنظر تارة إلي خطيبها  المحزون ، وتارة إلي صفحة المياه التي تنطق بمعاني  لا حصر لها ، و فجأة قطعت الصمت الرهيب ،
 و قالت لمراد :  ماذا  تفعل   لو سقطت منك  في قاع النهر ؟
قال مراد : سأسقط خلفك لأنني لا أتصور الحياة بدونك أبدا.
 قالت سلوى : يعني أما أن نغرق معا أو نعيش معا .
 قال مراد : لن  أتركك تغرقي حتى لو تحديت القدر، و ما أظن أن القدر قاسيا لهذه الدرجة.
 قالت سلوى : أسأل الله تعالى أن يرفع عنا الأحزان حتى  يجد حبنا سبيلا للأفراح التي حُرمنا منها .
 قال مراد : يا رب .
           نزلا من القارب في المكان المعد لذلك ، و ذهبت سلوى إلي بيتها ، و عاد مراد بعد أن  رافقها إلي مسكنها  ، عاد إلي مصنعه ، فوجده مغلقا  بالشمع الأحمر  ، و في انتظاره عدد من رجال الأمن ، و ذهب إلي النيابة التي أفرجت عنه لحين الانتهاء من تحليل العينات في المعامل المركزية ، و لما سأل عن الموضوع  ؟
قالوا له :  لقد كثُر عدد الذين أصيبوا بمرض الفشل الكلوي ، و وصل في الشارع  الذي يوجد به المصنع    إلي ( 25000 ) خمسة و عشرين ألف مريض ، و قامت  وزارة  الصحة  بفحص الأطعمة ، و الماء  ، وكل شيء فلم يعثروا علي أثر ممكن أن  يسبب هذه الأمراض ،  و عندما شعر أحد مفتشي  وزارة الصحة  بالجوع ،       و ذهب إلي محل  و اشترى ساندويتش  و تناوله فشعر برائحة لم يتعود عليها ، فقام بتحليل الجبن الموجود بالخبز في المعمل  فظهرت أثار مادة الفورمالين ، و عندما عاد إلي المحل  و سأله عن مصدر هذا الجبن  ؟  
 قال : إنه اشتراه  من مصنع الحج مسعد ، و لذلك  لزم اتخاذ و كل الإجراءات التي عرفتها .
       عاد مراد من النيابة إلي  سكن سلوى  ليطمئنها  أن الأمور  على ما يرام ، فوجد لون و جهها متغير ،     و لما  سألها  عن ذلك .
  قالت : بعد أن عدنا  من القناطر ، أُصيبت بمغص شديد ، و قيء و إسهال ، لا  يتوقف  ولما نظرت إلي المرآة ، و جدت أنني و كأني مريضة  منذ عشر سنوات ، حاول أن يهون عليها الأمر   ، و قال سنذهب للطبيب غدا  ، و بعد فحوصات و تحاليل  أتضح أن سلوى مريضة بالفشل الكلوي ، و في حالة متأخرة  ، ولابد  من غسيل كلوي لها .
    ذهبت سلوى لأحد المستشفيات  للغسيل ، و استدعت النيابة مراد ووجهت له تهمة القتل الخطأ بعد أن اعترف عليه مدير  المصنع بأنه كان يعلم بما كان يصنع أبيه في مادة الفورمالين ، و بعد أن انتهى حبس النيابة المتكرر ، و تحددت له قضية ، طلب من مأمور السجن أن يزور خطيبته سلوى في المستشفى ، وهذا هو طلبه الوحيد في الدنيا، و ذهب مع الحراسة إلي المستشفي ، و دخل غرفة سلوى  ، و سألها  عن حالها  فأشاحت بوجهها بعيدا عن عينيه .
   و قالت له : قلت لي و نحن في  رحلة القناطر إنك لن تتركني  أغرق  وحدي حتى لو تحديت  القدر         و ها أنت أغرقتني بيدك و أغرقت معي الكثير من البسطاء ، إن كنوز الدنيا لن  تنفع  يوم القيامة            معك أنت و أبيك .
 قال : والحب
 قالت : يغرق معي الآن ؟ !!!!!!! 
      و ستبقى أشعة الشمس الذهبية تنعكس علي صفحة مياه النيل تبحث عن حبيبين لم يقلتهما
      الجشع  و الغش   .

                                                بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق