قبل الغروب
عوامل السقوط
الكارثة الكبرى
في إخراج الله
من معادلة الحياة (10)
135- نوجا ملكة البانجو :
لم يستطع
الأستاذ زارع الحصول على الدراسات الجامعية
، ولكنه عاد إلي قريته النائية ، ومعه زوجته نوجا ، التي تزوجها من أحد
أحياء القاهرة التى تشتهر بتجارة المخدرات
، و ربما كان حب نوجا والانشغال
بها سببا في تخلفه عن الدراسة ، و لكنه لم يندم على ذلك : [ قد تغدو إمرأة يا ولدي يهواها القلب هي
الدنيا ] ، و عاد إلي قريته مرفوع الرأس ، و كان هو الابن الوحيد لأبيه ، و لم يكن
زواجه من نوجا من خلف ظهر أبيه ، بل كان بعلمه و دعمه ، و افتخاره بين الفلاحين بزواج ابنه من
البندر ، و في القرية التقى زارع بعبد الستار ، زميله في الدراسة و الذي لم يوفق
في إنهاءها بسبب فقره ، و موت أبيه وهو في المرحلة الثانوية ، فكان عليه أن يرعى أسرة كبيرة بنين و بنات ، وفضل العمل
بالزراعة ، و تعليم إخوته ، و أخواته ، و بعد تعليمهم ، و زواجهم
استقل هو بنصيبه من الأرض ، و بعض إخوته تنازل له طواعية ، حتى أصبح يمتلك خمسة
أفدنة ، و هي نفس المساحة التي امتلكها زارع صديقه بعد وفاة والده .
كان
الصديقان يتجاوران في الأرض ، و في المسكن ، و يعيشان في ظروف مادية متقاربة ، رزق
زارع بولدين من الذكور ، أما عبد الستار
فقد رزق بولدين و أربع بنات ، و
حاول تعليمهم جميعا ، و لكنهم لم يتخطوا مرحلة الدبلوم ، أما زارع : فقد وصل نجلاه
إلي الثانوية ومنها إلي كلية الصيدلة في
الجامعة .
ذهبت نوجا
زوجة زارع إلي زيارة أهلها ، و لكنها أكتشفت أنهم يعانون من قلة وجود المخدرات
الجيدة ، و ذات مساء وهم يتسامرون في بيت ست الحبايب ، سألها أخوها فجأة : ألستم تملكون أرضا يا نوجا ؟
قالت : نعم عندنا خمسة أفدنة
قال : لدي مشروع يجعلكم تأكلون الشهد ، و تلبسون ذهبا
قالت : ما هو ؟
قال : عندي
تقاوي لأجود أنواع المخدرات ، و يمكن زراعتها عندكم .
قال : هذا خطر علي زارع ، و ربما علم الناس بذلك و
أبلغوا الشرطة عنه
قال لها : لن يعرف أحد
، لأن البانجو يشبه الملوخية أو
بعض الأعشاب التي تظهر في المحاصيل ، و سوف نزرع مرة واحدة في العام صيفا داخل
زراعات الذرة [ الأذرة] ولن يشعر أحد بذلك
، و ربما زرعنا الحشيش [ القنب ] و الخشخاش ، و هو يشبه الخرشوف من ناحية الوصف ،
و الفلاحون لن ينتبهوا لذلك . المهم أن السر يبقي
بينك و بين زارع .
عادت نوجا من
القاهرة بعد زيارة أهلها وولديها ، و جلست مع زارع وعرضت عليه الأمر ، و أبدي معارضة ضعيفة في
بداية الأمر ، و لكن مع الدلال و الإصرار
وافق ، و قام بزراعة الأرض كلها بالذرة في موسم زراعته ، و أحضر له صهره
التقاوي ، و استخدم في الزراعة طريقة غاية في الذكاء ، فزرع الحواف الخارجية زراعة
كثيفة من أكثر من الزراعة العادية ، و في الداخل جعل الزراعة علي مسافات متباعدة ،
تسمح لنباتات المخدرات بالنمو ، و عاما بعد عام
ظهرت علي زارع أثار الثراء و الغنى ، و لم ينقطع يوما عن صلاة الجماعة في
المسجد ، و كان الفلاحون يعتبرون هذه الثروة عطاء من الله ، و كرامة لزارع ، و كان
يجلس مع صديقه عبد الستار ، فيبدو عليه
الانشغال بذكر الله ، و لكنه كان يتصنع
ذلك ليهرب من أسئلة جاره عبد الستار ، وكانت خضرة زوجة عبد الستار تجلس مع نوجا كثيراً ، و أحيانا كان الأمر يتطرق إلي هذا الثراء
الفاحش و المفاجيء ، و كانت نوجا تقول لها
: إن زارع زوجى لا ينام من كثرة العمل و التجارة ، فكانت خضرة تنقلب على
زوجها مؤنبَّة ، وموبخَّة ، تتهمه
بالكسل ، و تقول له : البنات أصبحن في سن
الزواج ، و الأولاد أيضا ، و أنت لا تتحرك ، و جارنا زارع لا يخرج من الأرض ، و
يقطع الملوخية و يوصلها للقاهرة
بنفسه أو عن طريق أصهاره ثم يتاجر بعد ذلك ي كل شيء ، وعرفتُ
من نوجا أنهم اشتروا أرضاً في عاصمة المحافظة لبناء عمارتين [ برجين ] لكي يكون لكل ولد برج خاص به
.
فكر عبد الستار
طويلا في حل هذه المعادلة ، و قال : لماذا لا أزرع أنا الآخر أذرة مثل زارع ؟
و أزرع بداخلها
شيئا أخر لكي لا يكون بيننا تنافس ، إذا كان هو يزرع ملوخية ، و خرشوف ، و قلقاس ،
فأنا سأزرع فجل و جرجير ، و كسبرة ، و بقدونس ، و بصل ، و علي عربيتي الكارو سأبيعه في المدينة ،
وقام عبد الستار بشراء التقاوي ، و بعد زراعة الذرة بأسبوعين ، أخذ زوجته و البنات الأربع ، و ذهب للحقل ، و قاس لهم
مساحة متر مربع ، ووضع في هذه المساحة
عشرين [ جورة – بركة – حفرة ] سمها ما
تشاء ، و قام بري الأرض فكان الفدان ينتج بجوار
الأذرة ما يلي : 20 * 4200م = 84000 أربعة وثمانون ألف جورة ، و كان يبيع ما يخرج من الجورة ب 1/2 نصف جنيه
للتجار بعد أن اشتهر في هذا المجال ، فكان
إنتاج الفدان عنده = 42000 أثنين و أربعون ألف جنيه في الشهر الواحد ، و كان هو يحشي [ يقطع ] ثلاث مرات فتكون الجملة 42000* 3 = 000,126 مائة و ستة و عشرون
ألف جنيه ، استطاع بذلك أن يزوج أبناءه و
بناته ، و أن يبني بيتا في القرية ، فيه دور أرضي له و لزوجته ، و شقة لكل ولد ، و شقة لكل بنت ،
لو أرادت أن تعيش في بيت أبيها ، و بدأت تظهر علامات الغنى علي عبد الستار ، و
كلما سأله أحد الفلاحين عن ذلك ، قال له :
الله سخر لنا الأرض لتعطينا كل شيء ، و
لكننا لا نعمل إلا ما كان يعمل أباؤنا ، ولو فكرنا قيلا و عملنا لفتح الله لنا أبواب الرزق الحلال من
كل شيء .
أما الأخ زارع بعد أن انتهي من بناء البرجين في
المدينة بخلاف أنه هدم بيته في الريف و
حوله إلي قصر ، و حضر ولداه من الجامعة بعد الحصول علي بكالوريوس الصيدلة ، وناما معا في غرفة واحدة و أشعلا مدفأة
لمقاومة البرد ، و استغرقا في النوم
بسبب عناء السفر و أكلت المدفأة كل الأكسجين الموجود بالغرفة ،
و عندما فتحت أمهم نوجا باب الغرفة لتدعوهما للفطور ، و جدتهما قد فارقا الحياة ،
و أقيمت جنازة مهولة ، و في اليوم الثالث للجنازة رأى الفلاحون قوات الأمن تملأ الأرض ، و تحيط بالمنزل ، و ظنوا أن
الحكومة جاءت لتقديم خالص العزاء ، و لكن
الأمر كان علي خلاف ذلك ، فقد تم القبض علي زارع
بسبب زراعته للمخدرات و أثناء الاستجواب اعترف علي زوجته ، و صهره ، و حكم على الجميع بالسجن المؤبد ، و
لكن النقلة الكبرى من القصور الفارهة إلي سكنى السجن التي تشبه سكنى القبور عجلت
بموت زارع و زوجته نوجا داخل السجن ، و صادرت الدولة البرجين ، و كان ذلك ضمن حكم المحكمة ، و سكن قصرهما في القرية البوم و الغربان ، و كلما نظر عبد الستار و
زوجته خضرة إلي بيت جارهما كانا يقولان
معا سبحان الله يمهل و لا يهمل .
و كان عبد
الستار يسجد لله شكراً أن رزقه من حلال
ومن عمله و فكره .
و كان يردد قول
الله تعالي علي لسان صديق الظالم في سورة الكهف { فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ
عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } الآية 40
ملحوظة
أكتب هذه السلسة
للفت أنظار السادة القراء إلي ما يلي :
1-
إن عذاب الله عذابين للعاصي الأول في الدنيا ـــ ولكننا لا نفهم ونقول أنه مكتوب ، و أنه قضاء و قدر ، و لذلك
تضيع الفائدة من هذا العذاب و لا يتعظ غير الظالم بما حدث للظالم .
2-
يجب الاتعاظ بكل شيء يحدث لنا فقد ذكرت لي
إحدى السيدات أنها خلعت العباءة و لبست
بدلة في غاية الأناقة ، و عندما كانت تنزل من علي السلم أختل توازنها و سقطت علي السلم فانكسرت ساقها ، و تم تركيب
عدة مسامير في ساقها ، و ستبقي في حالة عرج إلي أن تموت ، و هي تظن أن إحدى سكان العمارة حسدتها .
قلت لها : إنك عندما تركتي الاحتشام خالفتي ربك ، والله
لا يترك حقه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فافهمي شيئا من لغة الله تعالي في التعامل مع البشر ، ولا تعيشين في وهم
المغفرة بدون استحقاق لها .
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا.د
/ محمد أبو زيد الفقى
24رجب 1437هــ ، 1مايو 2016م
www.sanabelalezaa.com الموقع
الالكتروني
Dr. MoHaMMeD
Abo ZeeD AlfeQy صفحة الفيس بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق