الكارثة الكبرى
في إخراج الله
من معادلة الحياة (9)
134- السبع بنات:
في قرية
من قري مصر ، في الوجه البحري ، تنام ، و تصبح علي شاطئ فرع رشيد – من فروع النيل – في هذه القرية عاش
الحاج محمود فلاحا مجداً ، و تاجراً حريصا
، كثُر ماله و اشتري أكثر من قطعة أرض ، حتى أصبح يملك (150) مئة و خمسين فداناً ، رزقه الله تعالي من زوجته
زهرانة بثمانية أولاد ، عباس الولد الوحيد ،
وسبع بنات ، كان عباس قرة عينه هو و زوجته
زهرانة ، ولا يعبئون بالبنات السبع
، ولا يقيمان لهم وزنا
ترك الحاج
محمود البنات بلا تعليم ، و أدخل عباس التعليم حتى وصل إلى الجامعة ، و حصل
علي شهادة جامعية ، و زوجه من أسرة
كريمة ، و كتب له الأرض كلها 150 فدانا ، و
أوصاه بأخواته خيراً ، و زوج البنات السبع شباب من القرية ، وبعد سنوات قليلة مات
الحاج محمود ، دون أن يستمع لنصائح الناس الطيبين ، الذين رجوْه أن يترك للبنات
شيئا من الأرض ، لأن الميراث هو تقسيم الحق
سبحانه و تعالي ، و لم يستمع إلا إلي صوت نفسه ،
و انتقل إلي ربه يحمل ثُقْل 150
فدانا ، و لن يفلت من الحساب ، و العذاب أيضا .
نشأ عباس في
رغد من العيش ، فيما تركه له أبوه ، و
تزوج من نادية ، بنت أحد الأغنياء في القرية حتى يضم ميراثه إلي ميراثها ، و
أنجب منها أولاد ، تامر و ثلاث بنات
، و اهتم بتعليم تامر و أرسله إلي الخارج
بعد الثانوية للحصول علي شهادة في الطب ، و عندما عاد تامر بعد دراسته في أمريكا ،
فتح له مستشفي خاص باسمه ، ونقل ملكيتها
له ، ولم يبخل علي البنات الثلاث بالتعليم ، و زوجهن ، إلا أنه لم يرزق بحفيد أو
حفيدة منهن ، و كأن القدر يعد لشيء ما .
كتب عباس
الأرض و المستشفي ، و كل ما يملك لابنه تامر ، فاشتكي
البنات السبعة إلي وجهاء القرية من هذا
الظلم البين ، وذهب الوجهاء إليه ، و في
صحبتهم الشيخ عطية ، إمام المسجد ، و
تحدثوا معه في هذا الشأن .
قالوا : يا حج عباس أعدل بين أولادك و أخواتك .
قال : كيف أعدل
بين أولادي و أخواتي ؟
قال الشيخ عطية
: تطبق شرع الله .
قال : لقد كوَّن
أبي هذه الأطيان بعرقه ، و شقائه ، و كان
يعمل في الأرض بالنهار ، و يتاجر بالليل ، و لم يعرف طعم الراحة حتى مات . و أنتم الآن تريدون
مني أن أوزع مجهود أبي ، و مجهودي ،
علي أزواج أخواتي و بناتي ، والله لن يكون .
قال الشيخ عطية : يا عم الحاج إنك لن تأخذ شيئا و أنت مسافر
إلي ربك ، و ستترك كل شيء
و تحاسب علي كل
شيء .
قال : إنه عرقي و عرق أبي ، و لو كان الله يعلم أننا
خالفناه ، ما وسَّع علينا في الرزق ، و ما
دخل ربِّنا في هذه الأمور ؟ !
قال أحد
الجالسين : ربما أعطاك الله كثيراً لينظر ما أنت فاعل فيما أعطاك ؟ و لقد سمعت جملة من أحد الناس ، أن
العبد إذا أغناه الله ، ولم يراع حق الله في هذا الغني ، فإن الله يزيده غني ،
لأنه يسمِّنه لكي يذبحه بعد ذلك .
قال عباس : أعوذ
بالله منك ، و علي كل حال كل ذي نعمة محسود .
أحضرت
الحاجة نادية الشاي ، و قالت للحاضرين ، أنا و زوجي حججنا إلي بيت الله أكثر من
عشر مرات ، و أدينا العمرة أكثر من عشرين مرة ، و نعرف ربنا جيدا ، و لسنا في حاجة إلي الوعظ .
قال الشيخ عطية : إن الحج لو كان خمسين مرة ، و العمرة
لو كانت كذلك ، لا يغفران شيئا ولو قليلا من حقوق الآخرين ، و كان يكفيكما الحج مع العمرة مرة واحدة ، و تردُّون الحقوق لأصحابها .
قالت الحاجة نادية : ربُّنا عالم بِينَا و بيدينا أكثر و
أكثر .
قال الشيخ عطية : لا حول ولا قوة إلا بالله . إنا لله و إنا إليه
راجعون ، و انصرف الجميع .
بعد شهر من
هذا التاريخ ، عاد تامر من مشفاه
الخاص بالقاهرة ، و أخبر والده أنه تعَّرف
علي زميلة له ، ومال قلبه إليها ، و يرغب في الزواج منها ، ففرح عباس بذلك .
و قال له :
وماذا تريد يا دكتور ؟
قال : أذهب
لزيارة أهلها ، و معي أمي و أخواتي الثلاث .
قال عباس :
هذا واجب طبعا [ أدخلوا البيوت من أبوابها ]
وفي اليوم
التالي خرج د. تامر ، ومعه
أمه ، و أخواته الثلاث ، و انطلقت بهم
السيارة ، و كأنها هي الأخرى فرحة
لفرح الجميع ، و تعدى عداد السرعة المائة و عشرين كيلو متر ، و في
لحظة خرجت سيارة من الطريق المجاور ،
فحاول تامر تفاديها بسرعة ، ولم يدر أنه و الجميع أصبحوا تحت عجلات سيارة نقل ثقيل [
تيريلا ] فجعلتهم و سيارتهم هم و الأرض
سواء ، وعلِم الحاج عباس بما حدث ، و ضياع منه العمل و الأمل ، و جُمِع
له تاريخه و تاريخ أبيه في لحظة فارقة ، فأصيب بجلطة كبيرة في المخ ، و
حُمِل إلي المستشفي ، و لم يحضر دفن أبنائه ، و لقد حاول الناس فصل بعض قطع
حديد السيارة عن لحم من كان فيها ، فلم
يستطيعوا إلي ذلك سبيلا .
وعاش الحاج
عباس ست أشهر بعد ذلك ثم مات ، محملا بأوزاره .
وعادت الأرض إلي السبع بنات ، فلم يكن له
وريثاً غيرهن ، إلا ابن عم كان متزوج
بإحداهن .
و حدث كل ذلك لأنه أخرج
الله العظيم من معادلة حياته ، و انتقل من عذاب
في الدنيا إلي عذاب في الآخرة .
يقول الله تعالي : [ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ ] سورة القلم الآية 33
يقول
الشاعر الشعبي ابن عاروس :
الدنيا تلاهي
حازوها المداهي
عبُّوها في المواهي
وفتوها كما هي
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا .د . محمد أبو زيد الفقي
9 رجب 1437هـ ، 16 أبريل 2016م
www.sanabelalezaa.com الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD
Abo ZeeD AlfeQy صفحة الفيس بوك
#سنابل_العزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق