سنابل العزة

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

السبع بنات

                  
الكارثة الكبرى
                                                                                            في إخراج الله
  من معادلة الحياة (9)
134-  السبع بنات:
        في قرية من قري مصر ، في الوجه البحري ، تنام ، و تصبح علي شاطئ  فرع رشيد – من فروع النيل – في هذه القرية عاش الحاج  محمود فلاحا مجداً ، و تاجراً حريصا ، كثُر ماله و اشتري أكثر من قطعة أرض ، حتى أصبح يملك (150) مئة  و خمسين فداناً ، رزقه الله تعالي من زوجته زهرانة بثمانية أولاد ، عباس الولد الوحيد ،  وسبع بنات ، كان عباس قرة عينه هو     و زوجته  زهرانة ،  ولا يعبئون بالبنات السبع ،  ولا يقيمان لهم وزنا
     ترك الحاج محمود البنات بلا تعليم ، و أدخل عباس التعليم حتى وصل إلى الجامعة ،         و حصل  علي شهادة جامعية  ، و زوجه من أسرة كريمة ، و كتب له الأرض كلها 150 فدانا ،  و أوصاه بأخواته خيراً ، و زوج البنات السبع شباب من القرية ، وبعد سنوات قليلة مات الحاج محمود ، دون أن يستمع لنصائح الناس الطيبين ، الذين رجوْه أن يترك للبنات شيئا من الأرض ، لأن الميراث هو تقسيم  الحق سبحانه  و تعالي  ، و لم يستمع إلا إلي صوت نفسه  ،           و انتقل إلي ربه يحمل ثُقْل 150 فدانا ، و لن يفلت من الحساب ، و العذاب أيضا .
     نشأ عباس في رغد  من العيش ، فيما تركه له أبوه ، و تزوج من نادية ، بنت أحد الأغنياء في القرية حتى يضم ميراثه إلي ميراثها ، و أنجب  منها أولاد ، تامر و ثلاث بنات ،  و اهتم بتعليم تامر و أرسله إلي الخارج بعد الثانوية للحصول علي شهادة في الطب ، و عندما عاد تامر بعد دراسته في أمريكا ، فتح له مستشفي خاص باسمه ،  ونقل ملكيتها له ، ولم يبخل علي البنات الثلاث بالتعليم ، و زوجهن ، إلا أنه لم يرزق بحفيد أو حفيدة منهن ،  و كأن القدر يعد  لشيء ما .

 كتب عباس الأرض  و المستشفي  ، و كل ما يملك لابنه تامر ، فاشتكي البنات  السبعة إلي وجهاء القرية من هذا الظلم البين ،  وذهب الوجهاء إليه ، و في صحبتهم الشيخ عطية  ، إمام المسجد ، و تحدثوا معه في هذا الشأن .
 قالوا : يا حج عباس أعدل بين أولادك و أخواتك .
 قال : كيف أعدل بين أولادي  و أخواتي ؟
 قال الشيخ عطية : تطبق شرع الله .
قال :  لقد كوَّن أبي هذه الأطيان  بعرقه ، و شقائه ، و كان يعمل في الأرض بالنهار ، و يتاجر بالليل ، و لم يعرف طعم الراحة حتى مات . و أنتم الآن تريدون مني أن أوزع مجهود أبي ،     و مجهودي ، علي أزواج أخواتي و بناتي ، والله لن يكون .
قال الشيخ عطية : يا عم الحاج إنك لن تأخذ شيئا و أنت مسافر إلي ربك  ، و ستترك كل شيء
  و تحاسب علي كل شيء .
قال : إنه عرقي و عرق أبي ، و لو كان الله يعلم أننا خالفناه  ، ما وسَّع علينا في الرزق ، و ما  دخل ربِّنا في هذه الأمور ؟ !
 قال أحد الجالسين : ربما أعطاك الله كثيراً لينظر ما أنت فاعل فيما  أعطاك ؟ و لقد سمعت جملة من أحد الناس ، أن العبد إذا أغناه الله ، ولم يراع حق الله في هذا الغني ، فإن الله يزيده غني ، لأنه  يسمِّنه لكي يذبحه  بعد ذلك .
 قال عباس : أعوذ بالله منك ، و علي كل حال كل ذي نعمة محسود .
         أحضرت الحاجة نادية الشاي ، و قالت للحاضرين ، أنا و زوجي حججنا إلي بيت الله أكثر من عشر مرات ، و أدينا العمرة أكثر من عشرين مرة ، و نعرف  ربنا جيدا ، و لسنا في حاجة إلي الوعظ .
قال الشيخ عطية : إن الحج لو كان خمسين مرة ، و العمرة لو كانت كذلك ، لا يغفران شيئا ولو قليلا من حقوق الآخرين ، و كان يكفيكما  الحج مع العمرة مرة واحدة ، و تردُّون  الحقوق لأصحابها .
قالت الحاجة نادية : ربُّنا عالم بِينَا و بيدينا أكثر و أكثر .
قال الشيخ عطية : لا حول ولا قوة إلا بالله . إنا لله و إنا إليه راجعون  ، و انصرف الجميع .
      بعد شهر من هذا التاريخ  ، عاد تامر من مشفاه الخاص  بالقاهرة ، و أخبر والده أنه تعَّرف علي زميلة له ، ومال قلبه إليها ، و يرغب في الزواج منها ، ففرح عباس بذلك .
 و قال له :  وماذا تريد يا دكتور ؟
 قال : أذهب لزيارة أهلها ، و معي أمي و أخواتي الثلاث .
 قال عباس :  هذا واجب طبعا [ أدخلوا البيوت من أبوابها ]
  وفي اليوم التالي خرج د.  تامر ، ومعه أمه  ، و أخواته الثلاث ، و انطلقت بهم السيارة ،      و كأنها هي الأخرى فرحة لفرح الجميع ، و تعدى عداد السرعة المائة و عشرين كيلو متر ،     و في لحظة  خرجت سيارة من الطريق المجاور ، فحاول تامر تفاديها بسرعة ، ولم يدر أنه     و الجميع أصبحوا تحت عجلات سيارة نقل ثقيل [ تيريلا ] فجعلتهم و سيارتهم  هم و الأرض سواء ،  وعلِم الحاج عباس  بما حدث ، و ضياع منه العمل و الأمل ، و جُمِع له تاريخه         و تاريخ أبيه  في لحظة فارقة ، فأصيب بجلطة كبيرة في المخ ، و حُمِل إلي المستشفي ، و لم يحضر دفن أبنائه ، و لقد حاول الناس فصل بعض قطع حديد  السيارة عن لحم من كان فيها ، فلم يستطيعوا  إلي ذلك سبيلا .
   وعاش الحاج عباس ست أشهر بعد ذلك ثم مات ، محملا بأوزاره .
 وعادت الأرض إلي السبع بنات ، فلم يكن له وريثاً  غيرهن ، إلا ابن عم كان متزوج بإحداهن .  و حدث كل ذلك لأنه أخرج الله العظيم من معادلة حياته ، و انتقل من عذاب  في الدنيا إلي عذاب في الآخرة .
 يقول الله تعالي :  [ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ] سورة القلم الآية 33
  يقول الشاعر الشعبي ابن عاروس :
 الدنيا تلاهي
 حازوها المداهي
 عبُّوها في المواهي
 وفتوها كما هي
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا .د . محمد أبو زيد الفقي
9 رجب 1437هـ ، 16 أبريل 2016م
www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   

  #سنابل_العزة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق