سنابل العزة

الاثنين، 4 أبريل 2016

133- زينة والنهاية الحزينة


الكارثة الكبرى
                                                                                            في إخراج الله
  من معادلة الحياة (8)
133- زينة والنهاية الحزينة 
     في أسرة فقيرة ، في قرية من قري مصر ، نشأ ناصر عبد الحميد ، أسرته تتكون من أبيه   و أمه  و خمس بنات ، وهو الولد الوحيد ، كان الأب يعمل في مزارع الفلاحين ،
و أمه تعمل في مساعدة نسائهم في البيوت ، أما البنات الخمس ، فكن  يعملنا باليومية في شتل الأرز ، وجمع القطن ، و أي عمل آخر يأتي بشيء من الرزق ، كانت الأسرة كلها تعمل لتعيش ، ولتعليم الولد ناصر عبد الحميد ، أرسله أبوه إلي الكتاب لحفظ القرآن ، وتدرج في التعليم بعد ذلك حتى وصل إلي الجامعة ، كانت تشغله مشكلة منذ الطفولة ، وحتى الجامعة ، وهى أن بعض الشباب الذين يرغبون في كراء [ تشغيل ] البنات كانوا يأتون إلي بيت عبد الحميد ، ويسهرون فيه ، ويقضون وقتا طويلا ، وكانوا يعاكسون البنات معاكسات بسيطة  لا تتعدى اللمس ، و الإمساك بما تطوله اليد ، هذه الأفعال تركت جرحا  في أعماق ناصر عبد الحميد ، وتجذَّرت في اللاشعور عنده ،   ولا يعلم
إلا الله مقدار هذا الجرح ، و أعراضه في المستقبل .


     في القاهرة سكن ناصر عبد الحميد ، في منزل الحاج زعتر ، وتوطدت علاقته به ، وتبادلا الهدايا البسيطة ، كان عم عبد الحميد يحمل معه إلي القاهرة جهد وعرق الأسرة الأجيرة ، وبعض الفطير والسمن واللبن ، لأنه يعلم أنه سيجلس مع الحاج زعتر ، ويهديه بعض الأشياء ، وكانت زوجة الحاج زعتر بدورها لا تحرم الأستاذ ناصر ، من بعض الطعام الذي يجهز بالمنزل ، ومع الأيام طلبت من ناصر ، أن يساعد ابنتها ساسا في المذاكرة للثانوية العامة ، و انفتح ناصر علي البيت  ، وانفتح البيت عليه ، وجلس أمام ساسا و كان يعرف أنها فاتنة الجمال ، وكان يدافع عنها أحيانا ضد المعاكسات ، إلا أنه ــ كفلاح ــ كان لا يرى الجمال إلا في الوجه والعينين ــ هكذا  كان يُنظر إلي الجمال في الريف  قبل دخول الأجهزة الحديثة ــ  ولكنه لما اختلط بها عن قرب ، أياما كثيرة و ليالي أكثر ، بدأ يشعر أن هذه الفتاة كل  جزء في جسدها تحفة من الجمال لا يصنعه إلا الله سبحانه وتعالي .
    تخرج ناصر ، وعمل بالقاهرة ، وظل في سكن مع أسرة زعتر ، ودخلت البنت الجامعة ،    و دخلت قلب ناصر ، وهو الآخر  دخل قلبها ، وتقدم لخطبتها ، فلم يرفضه أحد من الأسرة ، وتم الزواج بعد عامين من الخطبة  تم الزفاف في القاهرة ، وحضر بعض أهل القرية إلا أنهم انصرفوا غاضبين ، وشغلهم طوال الطريق سؤال واحد ، كيف يتزوج ناصر بن عبد الحميد الأجرب الجوعان ، من بنت في هذا الجمال ، وعادوا لبيوتهم  وناموا علي حزن كبير . 
     بعد فترة من الزواج أرسل عم عبد الحميد برقيه لناصر يقول له فيها : 
        احضر إلينا  فرح أختك  
     آمنة أول الشهر ، طلب ناصر من زوجته ساسا أن تجهز نفسها لهذا الفرح 
  فقالت له : إنني أحتاج أكثر من عباءة وطرحة حتى يتناسب ذلك  مع الفلاحين 
فقال لها : بالعكس أنا أريدك قبل السفر أن تذهبي إلي مصفف الشعر ، وتصلحي من شعرك وكل 
          جسدك حتى تكوني نوَّارة الحفل 
قالت له : أنا ألبس هذه الملابس و أتزين في الحارة و كلهن يفعلن ذلك ، وبرغم أن ذلك حراما    
        إلا أنه في مكان محدود 
قال لها : لا تشغلي نفسك بالحرام والحلال  ، فالله غفور رحيم ، وهو الذي خلق الجمال ، ولن   
        يحاسبنا علي إظهاره للناس وتمتُّعهم به .
تزينت ساسا ، وذهبت إلي الفرح ، وكان كل شباب القرية يقولون  لو أن لنا مثل ناصر ؟ لقد فاز وحاز ، ولكن تُرى ما الذي كان في قلب ناصر  من علته القديمة ، هل كان يتمنى أن يشتهي الناس زوجته ، ولا يستطيعون لمسها  كما كانوا يفعلون بأخواته البنات  أيام الفقر والحاجة ؟ ربما !!!! 
    بعد سنوات ذهب ناصر في إعارة للسعودية ، وهناك تقابل مع سائق سيارة أجرة و نشأت صداقة بينهما  ، وكان لهذا السائق  مشكلة مع الكفيل ، وقال له ناصر : لماذا تبقى في السعودية  
قال السائق : كل ما أتمناه أن أجد  سيارة أقودها . 
 قال ناصر : هذه مشكلة  بسيطة انزل  أنت الآن ، و عندما احضر في الصيف سأشتري لك                              سيارة يكون ربحها مناصفة بيننا ، و ستنفعنا في تنقل الأولاد ، وقضاء حاجاتهم ، وستكون أنت مكاني في البيت  .
حضر ناصر  في الصيف ، واشترى  السيارة لصديقه عادل محجوب ، و استغل السيارة  في الذهاب إلي المسار ح و دور السينما  ، وشراء كثير من الهدايا لزوجته ساسا ، وابنته زينة ،  و ابنه أحمد أخر العنقود ، وكان يطلب من زوجته كل ليلة أن تتزين كما تشاء ، وتشتري ما تشاء ، وتأكل ما تشاء هي و الأولاد ، وكانت تقول له : إننا معنا رجل غريب ولا يصح أن أظهر هكذا أمامه ، فكان يقول لها : إن عادل محجوب أخي ، وهو متزوج ورجل محترم 
     بعد شهور الأجازة الصيفية غادر ناصر عبد الحميد القاهرة إلي الرياض ، وكان في وداعه في المطار زوجته ،  وابنه أحمد ، وابنته زينة ، والسائق عادل محجوب ، ومضت الأيام ، وطلبات خروج الزوجة و أولادها للفُسح تتكرر كل يوم ، أو يومين ، و توطدت علاقتهم بالسائق ، وفي يوم من الأيام ، وهو يقود السيارة بهم ، وساسا تجلس بجواره في المقعد الأمامي ، لاحت منه نظرة إلي قدميها الجميلتين ، و أسر في نفسه شيئا ، ولكن ساسا فهمت الرسالة جيداً   {  إذا نظر الرجل إلي المرأة نظرة واحدة فهمت إلي أي مكان في جسدها ينظر ، وماذا يريد ؟ وهذه قوة رادارية كشفية أعطاها الله للمرأة لكي تنجو من مكر أي خبيث إذا أرادت ذلك ، أما المرأة  إذا نظرت للرجل يوما كاملا ، فلا يعرف إلي أي شيء تنظر ، أو ماذا تريد ؟  هذه حقيقة علمية لا بد من وضعها في الاعتبار } . 
     فهمت ساسا ما يريد عادل ، وكانت في حاجة إلي ما يريده ، فالصحة ، والجمال ، والمال ، والحرية ، وغياب الزوج  الذي أخرج الله من معادلة حياتهم ، كل هذا دفعها إلي الهاوية ، نسج الشيطان خيوطه ، ووجد شياطين تعلَّم منهم ، وبدأت علاقة غير شرعية بين عادل ، وساسا ، ومن كثرة  تكرارها أصبحت روتينية  كأنهما زوجان ، ولا يبدوا أن أحد الطرفيين كان لديه استعداد أن يشبع من الحرام ، ولكن زينة لاحظت ، وتأكدت مما يحدث ، وفي أحد الأيام كان عادل يوصِّلها للجامعة ، فصارحته بما تظن ، و أراد أن يسكتها و أخبر أمها بذلك ، و أخذاها إلي مكان بعيد ، وكانت البداية  و أصبحت الأم و ابنتها لا ينكران ، ولا يشبعان ، وطلق عادل زوجته ، وشرَّد أطفاله من أجل أن يتفرغ للمعصية . 
       تعوَّد ناصر علي قضاء الإجازة في مصر ، ثلاثة أشهر  كل عام ، كان يعيش في سعادة ، وتُلبي المرأة له ما يريد ، ويلبي لها ما تريد من فساتين ، وملابس أخرى ثم ينصرف ، إلي عمله في السعودية بعد أن يسمع قصائد المدح من زوجته ، وابنته ، في عادل محجوب ، وفي أدبه وعفته ، وكان يترك المال الذي يأتي به لزوجته ، ويقول لها : تصرفي كما تشائين ، و إذا تبقَّى  شيء اشتري لنا أرضا في شمال القاهرة ، تنفع للسكن في المستقبل ، وكانت تشتري الأرض وتكتبها باسمها . 
        بعد خمس سنوات عاد ناصر من السعودية سعيداً بالخير الذي صنعه لأولاده ، ولزوجته ، وحاول أن يعود لعمله  بعد الإجازة ، ويباشر أرضه لكي يبني فيها بيتا جميلا ، له و لأولاده ، وكان محبا لزوجته ملتصقا بها أغلب الوقت ، ولا يجعلها تخرج إلا في النادر ، ويذهب معها للخارج ثم يعودان ، ولكن هذا الأسلوب ضيَّق الخناق علي السائق المنحرف  ، والمرأة الشهوانية ، والبنت التي انساقت وراء شهواتها ، ونسيت كل شيء  ، وفي ليلة من ليالي الصيف  اعتذر ناصر عن الخروج ، وقال لعادل خذ ساسا وزينة للفسحة ، وعودوا في أي وقت ، و سأسهر أنا مع أحمد ، وفي مكان نائي علي طريق الإسماعيلية ، جلس السائق ، وساسا ، وزينة ، واتفقوا علي قتل ناصر لكي يخلو لهم الزمان والمكان ، ووافقت البنت بعد تردد ، و بعد أن دارت  الخمر برأسها ، وعبث السائق بجسدها ، وفي اليوم المتَّفق عليه ، دخل عادل إلي البيت  وقت العصر ، وقت نوم ناصر عبد الحميد ، ومعه ساطور ، ومجموعة سكاكين ، ومعه حبوب منومة ، وقال لساسا اجعليه يستيقظ من النوم ، و سيطلب كوب من الشاي  ، فاحضري الشاي ، وضعي خمسة أقراص منومة فيه ، وفعلا تم له ما أراد ، وشرب صديقه ، ــ الذي أحسن إليه الشاي ــ   ، وراح في ثبات عميق ، فحمله إلي حوض الاستحمام [ البانيو ] ومدده ، وبدأ يقطعه إلي أجزاء زنة كيلو جرام ، وساسا تكيِّس هي وابنتها اللحم المقطوع ، و أثناء انهماكهم بالعمل استيقظ أحمد ، وحاول الصراخ ، ولكن عادل عاجله بساطور في رأسه فوقع ميتا ، وتم إضافة لحمه إلي لحم أبيه ، وتم تعبئة الأكياس في أجولة ، و بعد العشاء تم نقلها   إلي السيارة ، وركب الثلاثة وقاموا بتوزيعها في أماكن في ثلاث محافظات ـ القاهرة ـ القليوبية ـ الشرقية ــ وعادوا إلي تنظيف ومحو أي أثر ، وفي اليوم التالي قام السائق بدفن الساطور ، والسكاكين في مكان لا يذهب إليه أحد ، وذهب إلي البيت  ومعه زجاجات كثيرة من الخمر وقضوا ليالي بعد ذلك متَّع فيه الأم ، و أخرى متَّع فيها البنت .
      تعفنت الجثتين ، وشعر الناس بالرائحة الكريهة ، و تم إبلاغ الشرطة ، وبدأ  البحث ، وكان أحد سكان المنطقة له موعد مع ناصر عبد الحميد لشراء قطعة أرض ، وذهب إلي البيت فلم يجده ، وكان يرتاب في السائق ، فأبلغ الشرطة من تلقاء نفسه ، وتم عمل التحريات ، و كانت رائحة الشرف قد فاحت  وعمت المكان ،  قبل أن تفوح رائحة الجثتين ، وتم القبض علي الثلاثة و أرشدوا عن باقي اللحم ، في الأماكن الأخرى ، وتحت  ضغط تحقيقات البوليس اعترف الثلاثة ، وذهبت أوراقهم للمحكمة ، ومن هناك إلي المفتي ، وحُكم عليهم بالإعدام شنقاً .
       قبل الإعدام ذهبت إحدى الصحافيات إلي ساسا في زنزانتها  ، وسألتها أسئلة كثيرة كان أخطرها : لو عاد بك الزمان كنتي ستقتلين زوجك  بهذه الطريقة  البشعة ؟
قالت :  نعم  بل أتمنى ذلك لأنه أعطاني المال والحرية  ، ولم يأمرني  يوما ، بشيء  يرضي الله  بل كان يتصرف ، وكأن الله غير موجود . ليته قال لي : لا في يوم من الأيام ليته  رفض طلبا و أصر علي ذلك ، ليته صفعني علي وجهي مرة واحدة . إنني أكرهه ، وسوف أمسك به 
   في الآخرة أمام الله ، لقد ضيعني أنا و أولادي ، وهو يتصور أنه يفعل لنا الخير ،  و أُعدمت  في اليوم  التالي ، و دون أن تظهر عليها علامات الخوف  والارتباك  ، وفي اليوم التالي أُعدم عادل محجوب  ، واليوم الثالث جاء الدور علي زينة ،  و أخبرها السجان أنها ستعدم بعد أذان المغرب  ، لم تعره انتباها ، ووقفت تنظر من النافذة إلي أشعة الشمس الذهبية  ، وهي ترتبط بالكون الذي ستتركه بعد لحظات ، أو بالوجود الذي تنازلت عنه سعيا وراء شهواتها ، تشبثت بشعاع الشمس ، وتسمرت في مكانها  وهي تقبض علي حديد النافذة ، ترى هل كانت تتمنى العودة للحياة ، وتستضيء بنور الشمس ، أم أنها كانت تتعجَّل الموت لكي تُصلى بنارها ؟     
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } سورة الجاثية الآية 23 
                          بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنيننا عن كل علم 
  ا.د / محمد أبو زيد الفقى  
24جماد الآخر 1437هــ ، 2 أبريل 2016م                       
www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني 
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   

 ملحوظة أولى : 
هذه القصة حقيقية حدثت عام 1989م 
وسجَّلتها في رسالة الدكتوراه تحت عنوان  
 المرأة من يسوسها ـ الزوج ـ الوالد  ـ الابن ـ الأخ
ملحوظة ثانية : 
ساسا وابنتها زينة لا تمثلان المرأة المصرية 
بأي حال من الأحوال لأن المرأة المصرية عُرفت
عبر التاريخ بحنانها علي زوجها ، و أولادها 
و أهلها ، وهي أحيانا تكون مكافحة ترعى 
أسرة كاملة ، وهي في كل الأحيان عفيفة 
شريفة حافظة قانتة ، ونحن نقدم النماذج 
السيئة للاعتبار، والاعتذار لكي نضيء الطريق ،
 قبل أن نغرق جميعا  في بحر الظلمات .   
 #سنابل_العزة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق