سنابل العزة

السبت، 30 يناير 2016

الكارثة الكبرى – إخراج الله – من معادلة الحياة [ الأنسة يارا ]



قبل الغروب
عوامل السقوط


126- الكارثة الكبرى – إخراج الله – من معادلة الحياة [ الأنسة يارا  
بقلم : د محمد أبو زيد الفقى 

 
    







  ذات مساء حضرت للتهنئة في أحد الأفراح و أنا لا أفعل ذلك كثيرا ، لضيق الوقت ، وكثرت ما أقوم به من أعمال ، ولكني حضرت لأن العروس كانت طالبة عندي في معهد من معاهد الدعاة ، وهذه المعاهد تقبل حتى سن الخمسين ، أو يزيد كانت سيدة يكسوها الوقار ، والحشمة ، والأدب الجم ، وكانت شديدة الحرص علي التعليم والبحث ، ولما كلَّمت زوجها عني حضر إلي المعهد ، وجلس معي ، ووجدت أنه لا يختلف عنها أدبا ووقاراً ، وظلت هذه الأسرة تشكل في ذهني نموذجاً جيداً لما يجب أن تكون عليه الأسر المسلمة في كل مكان ، ومن هنا كان سبب حضوري  لهذا الحفل معقولا ، السبب الثاني اعتقادي الجازم بأنه لن تكون هناك مخالفة في أفراح هؤلاء الكرام  الطيبين .
   بدأ الحفل في إحدى القاعات الكبرى للأفراح ، في المدينة التي يعيشون فيها ، وبدأ المدعوون يدخلون جماعات ، وفرادى ، وبعد قليل من بداية الحفل حضرت امرأتان ، إحداهما ترتدي الثياب الإسلامي المحتشم ، وهي في الخمسينات من عمرها ، والأخرى تلبس الملابس القصيرة ، التي لا توصف بأنها ملابس إلا من باب المجاملة ، أما باقي المظهر فالفتاة تشبه الأجانب ، ولا يمكن لأحد أن يتصور أنها مصرية ،هكذا كان ظني بها لأول وهلة  ، ولكن عندما رأيت كثرة تحركها ، بين المدعوين  ومصافحة كل من تعرفه ، وتقبيل كل النساء ، وكثرة من الرجال والشباب ، استنتجت أنها مصرية ، و أنها ربما كانت قريبة لأصحاب الفرح ، أو للعروس ، ولم يمر وقت طويل حتى فوجئت بها أمامي ، هي والسيدة التي دخلت معها ، واتضح فيما بعد أنها أمُّها ، وصاحبة الفرح تلميذتي في معهد الدعوة ، قدمتها لي ، أشارت إلي السيدة الكبيرة بأنها أختها ، و إلي الفتاة ، بأنها ابنتها ، أي بنت أختها  ، ثم أردفت قائلة : يا مولانا أختي وابنتها في حاجة إلي مساعدتك ، والحمد لله أنك حضرت الليلة ، و أرجو منك ابتغاء وجه الله أن تساعدهما ، وسوف أُعد لكم غرفة بعيدة عن صخب  الحفل ، حتى تسمع منهما ، لأنها مشكلة كبيرة لم نجد لها حلا منذ سنوات !!
ذهبنا إلي غرفة بعيدة عن صخب الحفل وجلسنا.
  قالت الأم: تزوجت من رجل محترم، وميسور الحال، ولكنه لا يهتم كثيراً بالالتزام
            في تربية أولاده، ورزقني الله منه بولدين، سافر إلي أمريكا بعد التعليم
        وعاشا حياتهم كما يعيشها الأمريكان تزوجا وطلقا، وتزوجا وهكذا.
 قلت: أعرف ظروف المجتمع الأمريكي، ولكن هناك ملايين الأسر المسلمة،
       و المسيحية ، واليهودية  تعيش مستقرة إلي النهاية .
 قالت : المهم ابنتي هذه رغم جمالها ، ومظهرها ، إلا أنها لم توفق حتى في خطبة
         ناجحة إلي الآن ، وقطار الزمن يمضي ، وفرصتها في الإنجاب تقل ، وبدأت    
        تمرض وذهبنا إلي الأطباء النفسيين ، بدون فائدة ، وذهبنا إلي بعض الذين
        يعالجون بالقرآن ، بدون فائدة ، بل ذهبنا إلي السحرة ، والمشعوذين ،
و بعض  كان سيعتدي عليها لولا  ستر الله تعالى .
قلت : يا أختي أنتم أسرة رغم ما يبدو عليكم من ثراء وسعادة ظاهرة ، إلا أنكم أنت
        وزوجك والولدين والبنت أسرة تعيش بكل ما تحمله كلمة تعاسة من معنى .
 قالت : لماذا ؟
 قلت : لأنكم ببساطة أخرجتم الله من معادلة حياتكم .
قالت :  نحن نؤمن بالله و أنا وزوجي نصلي ، ونصوم ، ونحج ، ونزكي ، ونتصدق    
          كثيراً.
 قلت: الإسلام منهج حياة كامل، ولكي تكوني مسلمة حقيقية، لا بد أن تستشعري
        وجود الله وجوداً حياً، ومباشراً، في كل حركة من حركات الحياة، أما
       العبادات فبرغم أهميتها ، ووجوبها فإن الإنسان لم يخلق من أجلها فقط ، بل
       خُلق ليكون خليفة لله تعالي في الأرض، ولابد أن يتخلق الخليفة بأخلاق من
      استخلفه، أي لابد أن نكون عبادا ربانيين، نخاف الله ونحبه، ونستشعر
      وجوده في أنفسنا ، وفي خارجها ، وفي أعمالنا ،  ولعل السبب الأقوى لضياع     
       الأمة في هذا الزمن ، هو عبادة الله ، والمبالغة فيها  عند البعض ، ولكنهم
       أخرجوه من معادلة حياتهم الخاصة، ولازلت أتذكر ما فعله رجل عربي حين
        كنا في الحرم، وبجوارنا امرأة تصلي  ، ولكنه مد يده إلي أماكن حساسة جدا   
        في جسدها ، وبرغم قسوتي البالغة عليه إلا أنه كان سعيداً جداً بما فعل ،
       ولقد سبقتنا أمم كثيرة، فعلت مثلما نفعل الآن، تصوروا أن مكان الله تعالي في
        المعابد فقط  ، وفي العبادات ، أما السلوك الدنيوي في الحياة ، فالله بعيد عن   
        هذا.
 قالت : وكيف تُحلُّ مشاكل ابنتي بعد شرحك هذا ؟
قلت:   دعيني أسألها أولا، هل تشعر بالسعادة في كل ما تلبس، وما تفعل ؟
قالت الفتاة : أنا أقلد المجتمع الذي أعيش فيه ، و أقلد الفنانين في ملابسهم لأني
              أشعر  أنني أجمل من أي فنانة أراها في السينما والتلفاز ، وكنت أتصور
             أن هذا سيكون طريقا للزواج والاستقرار، والإنجاب، لأن أمل حياتي
             أن يكون لي ابن أو ابنة.
 قلت : يا ابنتي سأسألك سؤلا مباشراً ، ماذا تريدين من الزوج والأولاد ؟
 قالت : السعادة
 قلت : من الذي يمنح السعادة ؟
 قالت : الله سبحانه وتعالى .
قلت : وكيف يمنحك السعادة وأنت تعصينه في ملابسك وتصرفاتك الغير شرعية ؟
     وقد رأيتك تسلِّمين علي الرجال وتقبِّلين بعضهم، وكنت في غاية الكرم مع من  
    يلامسك .  أنت بصراحة مجموعة معاصي متنقلة، ولا تأملي في عطف الله
    وأنت علي هذا الحال ، ربما كان عطف الشيطان أقرب لك ، لأنك تحققين له
     ما يريد ، بدون مقابل ، و إذا عطف عليك أضلَّك و أغراك أكثر
قالت : إن كثيراً من الفتيات يلبسون مثلي ، ويفعلون  ما أفعل ، ويعيشون في غاية
        السعادة.
قلت : هؤلاء سقطوا من عين الحق سبحانه وتعالى ، فهو يستدرجهم من حيث
      لا يعلمون ، أما أنت فربما عندك بقية من خير لا أعلمه  ، و أنت تستطيعين
      النجاة إذا أردت يا [ يارا]  اسمها .
قالت : وماذا أفعل ؟
قلت :  يا ابنتي لقد جربتي كل شيء من متاع الدنيا الزائل فلماذا لا تجربي الطاعة
       أنت مثلا تلبسين ملابس ضيقة  وقصيرة ، لماذا  لا تجربين لبس الملابس
       المحتشمة ، مثل العباءة والحجاب ، و اعتبري هذا من ( المودة )  وجربيه ، 
      ولماذا لا تصلي جميع الفروض ، كي تنتصر روحك علي جسدك ، وتفتحين
       باباً مع الله .
قالت : وتضمن لي الشفاء  والزواج والسعادة ؟
قلت : أضمن لأن الله تعالي : [ لا يضيع أجر من أحسن عملاً ] ، ولكن لي شرط
        واحد : أن يكون عزمك علي الطاعة  إلي النهاية ، وليس لتحقيق أهداف
        مرحلية . بل أرجو بعد أن يحقق الله ما تريدين أن تزيدي في الطاعة ، والندم
        علي ما فات من المعاصي .
 قالت : أفعل .......
*** بعد ثلاثة أعوام هاتفني زوج يارا من جمهورية استونيا
{ من جمهوريات بحر البطليق في الشمال } ، لم أعرفه أول الأمر ، ولكنه عرَّفني
بنفسه : أنا زوج يارا عبد اللطيف من مدينة ( كذا ) في مصر ، تزوجتها  ورزقنا الله بطفل جميل ، أصرت أن تسميه باسمك .
قلت : هل هي بجوارك ؟
 قال : نعم
 قلت  أكلمها : رحَّبْت بها  وسألتها عن حياتها ؟
قالت : لقد نفذت ما قلت لي بالحرف ، شفاني الله ورزقني بزوج متدين ، ومحترم ،
         ولك عندي بشرى ، لقد استطعت بسلوكي الطيب أن أُدخل أكثر من عشرة
        من أهل هذه البلدة في الإسلام ، وسوف استمر حتى أتغلب علي ما مضى من
        حياتي .
 قلت : استمري يا ابنتي ، فالحياة تمر بسرعة ، وليس لنا منها إلا ما قدمناه من 
        فعل الخير ، وكلميني كلما كان لديك جديداً ، فأنت نموذج لمن يستمع القول   
        فيتبع أحسنه .


                          انتهت المكالمة وتذكرت قول الشاعر أحمد بدوي :

           * أنا آويت لكل مأوى في الحياة        فما وجدت اعزَّ من مأواك 
          * وبحثت عن سر السعادة جاهلا        فوجدت هذا السر في تقواك
       * فليرضى عني الناس أو فليسخطوا       أنا لم أعد أسعي لغير رضاك


بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم

ا.د. محمد أبوزيد الفقي
 20 ربيع آخر 1437هــ ، 30 يناير 2016م


www.sanabelalezaa.com   الموقع الالكتروني
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق