سنابل العزة

الجمعة، 29 يناير 2016

حرمة الدماء - ضرورة صيانة النفس البشرية



21- القرآن المهجور – المحور الثانى 


بقلم : د محمد أبوزيد الفقى

يدور المحور الثانى فى القرآن الكريم على حماية وصيانة النفس البشرية ، وتحريم قتلها ، والعبث بها ، ولا يسمح القرآن الكريم بقتل النفس أيا كان دين صاحبها إلا بالحق ، أما التمثيل بالنفس ، أو العبث بها ، فهذا مرفوض ، ومحرم على التأبيد .

أ – يقول الله تعالى :[ من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ] المائدة 32، فى هذه الآية يحدد الحق سبحانه وتعالى أن قتل النفس فى غير قصاص ، فإن قتل نفس واحدة تساوى قتل جميع البشر ، هذا هو منطق القرآن فى تعظيم حرمة النفس الإنسانية .

ب -  وعندما قام اليهود بقتل نفس واحدة تحيروا فى كيفية الخلاص والطهارة من هذا العمل القبيح ، وكان هذا القتل بالخطأ ، ومع ذلك طلبوا من نبى الله موسى أن يفتيهم فى هذا الأمر ، وأخبرهم بأن ذلك يحتاج إلى بقرة تذبح بشروط معينة ، لأن القاتل غير معروف وبسبب حرمة القتل ، وتعظيم هذه الحرمة ، سميت السورة التى جاءت فيها هذه القصة بسورة البقرة ، وهى أكبر سورة فى القرآن الكريم ويقول الله تعالى فيها  [ وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون  ] البقرة 72.

جـ - وفى شروط قبول البيعة من النساء عدم القتل : [ ..ولا يقتلن أولادهن ] الممتحنة 12 ، أى شرط الإسلام والدخول فيه عدم القتل ، ويقول الله تعالى [ ... ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ] النساء 29 ويقول : [ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ...] الأنعام 151 ، ويقول : [ ...ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ...]الإسراء 31 . ويقول : [ ..ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا ] الإسراء 33.
هــ - ويجعل الله تعالى قتل الذى يقتل أى يقوم بالقتل ، يجعل قتله حياة للجميع ، ويقول : [ ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب ...] البقرة 179 .
هذا : ومعظم آيات القرآن الكريم تجعل من القتل جريمة بشعة ، لا إنسانية ، وتضع عقوبات كما فى حالة قتل المؤمن عمداً ، يستحيل معها قبول التوبة فى الآخرة ، إلا إذا تم القصاص عن طريق ولى الأمر ، في هذه الحالة يمكن أن نتخيل البراءة في الآخرة ، بعد العرض على الله تعالى ، ودخول جهنم فترة تجعل القاتل يتمنى لو كان ترابا ، ولم يعش على ظهر الأرض ، هذا هو محور القتل في القرآن الكريم ويتضح منه حرص القرآن على حماية النفس البشرية وصيانتها وعدم قتلها إلا بالحق ، وهذا المحور موجود فى كل الأديان السابقة على الإسلام ، إلا أن وضوحه وبيانه فى القرآن الكريم أوسع وأشمل لأنه مهيمن على الكتب السابقة ومصدق لما صح منها .

وقد وردت مادة القتل وتحريمه ، والسماح به فى حالة الحرب ، مع آداب معينة  ، وشروط لذلك وتحريم وصيانة النفس البريئة ، وردت المادة فى 140 موضعا فى القرآن الكريم ، بشكل مباشر ، ووردت بالمعنى فى أكثر من ثلاث مائة آية .

و – ومع ما جاء فى حرمة قتل النفس فى القرآن الكريم ، استطاع بعض من يهمهم الأمر ، ويريدون قتل الناس بالباطل ، والظهور فى المجتمعات العربية بثياب الصالحين استطاع هؤلاء دس حديث فى صحيح البخاري ، والرواية أيضا موجودة في التوراة ، ربما لتحلل لليهود قتل غيرهم من الناس ، وتنفع أيضا مع الحكام العرب في كل العصور ، هذا الحديث معناه: [ أن رجلا شريرا بمنطق القرآن ملعون ، ومغضوب عليه ، هذا الرجل الشرير قتل 99 نفسا بريئة عمدا ، ثم ذهب إلى أحد العلماء الأطهار وسأله عن التوبة ، فقال له : ليس لك توبة إلا أن تُقتل أنت الأخر ومع ذلك يبقى حسابك على الله تعالى ، فقام هذا البلطجى الشرير بقتل هذا العالم الطيب المخلص ، ثم ذهب لعالم آخر ، فقال له : أنصحك بالتوجه إلى قرية أهلها طيبون مشغولون بطاعة الله تعالى ، وابقي معهم حتى تموت ، فأتجه الرجل إلى القرية ، وفى الطريق فارق الحياة ، فنزلت ملائكة الرحمة لتأخذه إلى الجنة ، وملائكة العذاب لأخذه إلى النار واختلفوا اختلافا كثيرا ـــ  الملائكة في العلم الصحيح لا يختلفون أبدا ـ فأوحى الله إليهم أن : يقيسوا المسافة من القرية الأولى إلى القرية الثانية ، فجاءت المسافة متساوية ، فاختلفوا مرة أخرى ، فقام الله تعالى بكسر الكرة الأرضية ــ من أجل هذا الملعون ــ  وجعل الشق الذي عليه الفاجر أقرب إلى القرية التي كان ذاهبا إليها ومن هنا تم الغفران لهذا الرجل الذي قتل 100 رجل .

التعليق – ملاحظات على هذه الرواية .

الملاحظة الأولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم والمنسوب إليه هذه الرواية ، لم يذكر أي كلمة عن المساكين المظلمين المقتولين بدون سبب ، وكأنهم مجموعة من الدجاج ، بل لو كان دجاجا لتحدث عنهم الرؤف الرحيم .

الملاحظة الثانية : أن الرجل لم يقتل قصاصا ، ولم يتب إخلاصا ومع ذلك احتفل به الملائكة بشكل غير عادى ، لدرجة أنهم اختلفوا فيما أمرهم الله به ، وهذا مستحيل عقلا ، ونقلا .

الملاحظة الثالثة : أن هذا الحديث الذى كُتب بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بـــ 240 عام مائتين وأربعين سنة يرد "140" مائة وأربعون أية من كتاب الله تعالى وعلماء الحديث الكرام يتمسكون بهذا الحديث بشكل يثير الريبة ، فقد قضيت ليلتين ، أشاهد أحد علماء الحديث [ الكجول ] الذين لم يدرسوا نحوا ولا صرفا ، ولا فقها ، وأنما هو رجل ذهب إلى بلد عربى ، وتدرب هناك على إسقاط القرآن وهجره  عن طريق الأحاديث المدسوسة ، تحدث الرجل ساعتين فى كل ليلة ، فى وقت متأخر من الليل ، عن هذا الرجل الذى قتل مائة ودخل الجنة ، ثم قال فى نهاية الليلة الثانية  [ وبرغم أن هذا الحديث يعارض قول الله " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " برغم أن هذا الحديث يعارض الأية إلا أنه صحيح ]، هذا جهل غير عادى من رجل عادى ، لا يعرف عن العلم شيئا لأن علماء الحديث القدامى قالوا : إن أول علة تسقط الحديث أن يعارض أية واحدة فى القرآن الكريم ولو ظاهرا .


الملاحظة الرابعة :  أن الأمة كلها خاصة حكامها ــ يستريحون لهذا الحديث ولا يلقون با لاً لمائة وأربعين أية ، أو لمحور الحفاظ على النفس البشرية كاملا ، وهو محور رئيسى فى القرآن الكريم .

الملاحظة الخامسة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من هذا الحديث لأنه كان يعرف قدسية النفس البشرية ، وهو الذي وقف تحية لمرور جنازة يهودي ، وقال الصحابة : أتقف يا رسول الله لجنازة يهودي ؟ قال : أليست نفسا ؟  ، أيضا سيدنا الإمام البخاري رضي الله عنه بريء من هذا الحديث ، أما المسئول عن هذا الحديث فهو الذي دسه على الصحيح ، ثم على التعليم التلقيني الذي لا يعطى لصاحبه فرصة للتفكير ، ثم على إحجام المشتغلين بالحديث عن نقد المتن على ضوء القرآن الكريم ، وهذا فقط ما كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم أجمعيين

الملاحظة السادسة : أن هذا الحديث المدسوس أشاع القتل في العالم الإسلامي حتى يومنا هذا ، وأعطى للاستعمار العالمي مجالا واسعا لقتل المسلمين ، وأعطى لحكام المسلمين مجالا للقتل ، ثم يتبرك بهم الناس بعد ذلك ، فإذا كان الرجل قد قتل مائة ودخل الجنة ، فليست هناك مشكلة أن يقتل الحاكم المسلم من أجل الحفاظ على  نظام ملكه  مائة ألف أو أكثر ، ويسمى أمير المؤمنين .  ولقد انتقل هذا إلى الجماهير العربية ، وهناك قصص يشيب لها الولدان ، فقد قام شابان بإيقاف توك توك فى إحدى محافظات مصر ، وكان الإيقاف بغرض السرقة ، وقام سائق التوك توك بإعطائهما الساعة والهاتف المحمول والمال الذى كان موجودا معه ، ولكن أحدهم نظر إلى عنقه ، فإذا هى طويلة وقوية فقال له : ما رأيك ؟ قال : فى ماذا ؟  قال : أعجبنى عنقك وأريد قطعها ، وقبل أن ينهى الجملة الأخيرة كان قد أخرج سكينا وذبح سائق التوك توك  وهذه الرواية جاءت على لسان سيدة كانت موجودة وقت وقوع الحادث ، وهذا يأتى كنتيجة طبيعية لأن بلطجى قتل 100 رجل ودخل الجنة .

الملاحظة السابعة :  أنه بعد الربيع الإسرائيلي ، انتشرت الحروب فى كل مكان من العالم  العربى ، وأكثر المظاهر وضوحا ، هو القتل بأعداد كثيرة ، فئات كثيرة يقتل بعضها بعضا ، ولكنهم يدعون الإسلام ويرجون رحمة الله وجنته مقابل قتل أكبر عدد من الأنفس البشرية التى حرم الله قتلها .

يجب أن نعود إلى القرآن ونأخذ منه قبل فوات الأوان وغروب شمس العرب والإسلام..[ إنا لله وإنا إليه راجعون ]

بذنوبنا اعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم

ملاحظة : كل حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو تاج على رؤسنا إلا ما عارض القرآن الكريم ولو من ناحية الظاهر  حرصاً على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .

ا.د محمد أبوزيد الفقى
24ذو الحجة1435هــ، 18 أكتوبر 2014م
 http://www.sanabelalezaa.com
الموقع الألكترونى   
Dr. MoHaMMeD Abo ZeeD AlfeQy   صفحة الفيس بوك   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق