سنابل العزة

الثلاثاء، 26 يناير 2016

د. محمد أبوزيد الفقي يكتب – الكارثة الكبرى – إخراج الله – من معادلة الحياة ( 1 )



في الأديان الثلاثة: اليهودية – المسيحية – الإسلام. تختلف النظرة ، وتتنوع الصورة ، ويتباين الإحساس العملي بوجود الله سبحانه وتعالى . ففي اليهودية يعتبر الله تعالى ربا معبودا.ولكن تصور دوره في حياة اليهود يقف عند أنه صديق ، ينظر إلي شعبه [ اليهود ] بإعجاب وهم يكدحون ، ويعملون ، ويصنعون ، وهو يساعدهم إذا استحقوا المساعدة ، وفي المسيحية تقوم العلاقة بين الله والإنسان على الحب المتبادل ، فالله تعالى قد أدى دوره حين نزل وصُلب وقُتل ، من أجل فداء الإنسان من الخطيئة الأولى خطيئة أدم عليه السلام ، وبرغم توضيح القرآن الكريم ، بأن المسيح لم يقتل إلا أن عقيدة الصلب عندهم مقدَّسة ، ومن هنا بنيت العلاقة علي الحب المتبادل ، وهو عندهم إله معبود محبوب ، أطلق لهم العنان للعمل في شتي شئون الحياة ، وهو يباركهم في كل ما يعملون ، أما إذا صدرت منهم بعض الذنوب ، فهي قد غُفرت سلفا ً عند الصلب ، وعلي المخطئ أن يتجه إلي الكنيسة ويعترف ، ويندم علي ما فعل ، ولا بأس من التبرع ببعض المال ، لضمان القبول ، وموضوع المال تم تحريفه في بعض الفترات وتحول إلي [ صكوك غفران ] ، ولكن جاء مارتن لوثر ، وهاجم هذا الزَّعم ، وتم إلغاؤه ، وفي الإسلام ومن خلال القرآن الكريم تدرك صورة الله كما يجب أن تكون ، فهو إله خالق رازق
[ يدفع العبد للبحث عن رزقه ] يحاسب العبد علي كل شيء بدقة ، ويعيده مرَّات إلي الهدف الذي خُلق من أجله ، وهو توحيد الله وعبادته ، ثم استخلاف الله تعالى في صناعة الحضارة ، وعلاقة الإنسان المسلم بالله تقوم علي الخوف منه أولا ، وتقواه [ صناعة جدار من الأمانة والطاعة وترك الذنوب وفعل الخير ] ، ثم بعد ذلك ينتقل المسلم إلي مرحلة الحب ، والله في القرآن ، موجود وجوداً فعلياً ، ويساعده إذا عمل خيرا ، وكلما اجتهد العبد و أخلص ، كانت المساعدة أكثر ، فإذا أساء العبد ، ابتلاه بالضُّر مرة ومرات حتى يرجع ، فإذا صمم علي المعصية ، وقطع فيها شوطاً كبيراً ، استدرجه بالصحة والمال ، بالسماح له بفعلها ، حتى يضعه علي طريق العيش الصعب في الدنيا ، والمصير السيئ في الآخرة . وهو سبحانه يقول :
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى }
سورة طه الآيات 126،125،124 .
وسنبدأ في ذكر نماذج من الواقع لنساعد الناس علي القدرة علي فهم تصريف الحق سبحانه
وتعالي لأمور الناس ، وهذه المخالفات التي سنذكرها تقع فيها الدول ، والأسر ، والأفراد.
وهي كما يلي :
1- الأستاذ عجَّال :
في قرية من قري مصر نشأ عجَّال ، لأبوين فقيرين ، لكنهما استطاعا أن يفعلا المستحيل لتعليمه حتى النهاية ، عمل الأب كلاّفا و علاَّفا للبهائم ، وعملت الأم خادمة متنقلة في بيوت القرية ، حتى أتما المهمة ، و أصبح عَّجال مهندسا ، وعمل فترة في مجلس المدينة في إحدى المدن ، وساعده قربه من رئيس المدينة ، في فهم كيف تسير الأمور في مجالس المدن ، وكيف يتم استخراج التصاريح ، و أصبح وسيطا بين الجمهور ، والإدارات داخل المجلس ، وجمع من ذلك مبلغا لا بأس به ، أتاح له امتلاك شقة ، والزواج من إحدى السيدات الفضليات ، وبعد فترة حصل علي إجازة لمدة عام تتجدد ، وبدأ يستغل عمله السابق ، في عمله اللاحق ، وبدأ في الحصول علي التصاريح – بعد أن أنشأ شركة بناء – و يحصل علي أراضي الدولة داخل المدينة ، ويقيم عليها العمارات ، ويبنيها بمواد بناء غير كافية وغير صالحة ، ويبيع ويكسب مئات الملايين . ومضى علي زواجه عشر سنوات ، ولم يرزق بولد ، وكانت زوجته تعرف ما يقوم به من عمل ، من خلال متابعة اتصالاته بالآخرين من تليفون المنزل ، ولطالما طلبت منه الكف عن الكسب الحرام ، مرة بالكلام والتفاهم ، ومرات بالدموع ، وكانت حجتها أن ما يطلبانه من الله سيسبب لهما السعادة والله تعالى لا يسعد العاصي ، و أن كل هذا المال ما هو إلا دفع لك في طريق الضلال ، قال تعالى :
{ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ
وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا } سورة مريم الآية 75 ، وكان يرفض حجَّتها ، ويقول لها : المال يفعل كل شيء ، والعلم يفعل كل شيء ، وسافرا معا إلي الخارج ، وعرض نفسيهما علي طبيب عالمي ، وتم عمل العلاج ، وعادا إلي مصر ، وحملت الزوجة و أنجبت ولداً جميلا ، وكان يقول لها : حين تحذره من الحرام وتخوفه من غضب الله ، خاصة أنه ترك أبويه بدون رعاية ، وكان يرسل لهما قدرا ضئيلا من المال عن طريق ابن عمه حتى ماتا ونزل القرية مرتين لتناول العزاء ، كان يقول لها حين تذكره بكل ذلك : إننا نؤمن بالله ونوحده ، ونصلي ونصوم ونحج ، ولكن ما علاقة
الله تعالى بالتجارة والشطارة ؟
وكانت ترد عليه : لابد أن تراعي الله وتشعر بوجوده في كل لحظة ، ولا تأمن غضبه ، المهم أنهما حاولا البحث عن الإنجاب مرة أخرى ولكنهما لم يوفقا بسبب كبر سن المرأة ، وتخطيها فترات الإنجاب ، وظل الحال علي ما هو عليه ، وكان الطفل يكبر حتى أصبح شابا يافعا ، تعلم في أرقى الجامعات ، وكان هو السعادة عند أبيه و أمه ، و ازدادت أموال عجَّال من الحرام حتى أصبح يملك عدة مصانع في مصر وخارجها ، و أحب ابنه فتاة جميلة ابنة رجل أعمال علي شاكلة أبيه ، وصارح أباه بذلك ، ورحب عجَّال بمصاهرة المال للمال ، وتحسن الأحوال ، و تمت الخطبة وعقد القران .
Capture
في يوم الزفاف تم إغلاق أكبر شارع في المدينة لمدة يومين – المال يفعل كل شيء – وفي حفل الزفاف الذي لا يمكن وصف الإسراف والبذخ فيه – حضر إلي المدينة لفيف من كبار المغنِّين ، وعدد لابأس به من الراقصات المشهورات العاريات ، واستمر الفرح حتى الفجر ، بل طلب الناس في عدة مساجد إنهاء الحفل ، حتى يتمكنوا من الصلاة ، وفي نهاية الحفل أخذ العريس عروسه ، وذهب إلي الدور الأخير من أحد أبراج والده ، والدور الأخير عبارة عن فيلا مساحتها 400 مترا وفوقها حمَّام سباحة في الدور الثالث عشر ، واتفق العريس مع عروسه ، علي الخلود إلي النوم والراحة من إرهاق الفرح و أن يؤجلا أي شيء لليوم التالي .



وفي تمام الساعة الحادية عشر صباح يوم الزفاف استيقظ العريس وصعد إلي الدور الثالث عشر ، ووقف علي سور حمام السباحة ولسبب لا يعلمه إلا الله حتى الآن صعد العريس إلي أعلى السور وقفز في الشارع ، وقضى نحبه علي أرض الشارع في نفس اللحظة التي سقط فيها ، و امتلأ الشارع بالهرج والمرج ، واستيقظت أمه ، ونظرت فوجدت وحيدها متشحا بدمه ممدا بين جمع من الناس ، ولكثرة فرحها أثناء حفل الزفاف وحزنها المفاجئ توقف قلبُها وفاضت روحها . و دُفنت مع ابنها في يوم واحد ، وبقى الأب مشلولا لإصابته بجلطة في رأسه ، ولكنه عُولج ، وصفى أملاكه وترك الوطن ، وهاجر ، لكنه ترك خلفه ديونا كثيرة للبنوك وللأفراد ، ولعلها تذكرة لهم ولغيرهم للإحساس بوجود الله في كل مكان وعند أداء كل عمل .
قال تعالى : { كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } سورة القلم الآية 33
بذنوبنا أعطانا الله جهلا يغنينا عن كل علم
ا.د. محمد أبوزيد الفقي
14 ربيع الأخر 1437هــ ، 24 يناير 2016م

صفحة الدكتور محمد ابو زيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق